كتاب شرح زروق على متن الرسالة (اسم الجزء: 1)

واحتج له إمام الحرمين بأن الكلي لا يمكن أن يكون معلوماً للجزئي لتناهي الجزئي وعدم تناهي الكلي.
وقال المقترح في المباحث العقلية: حقيقة واجب الوجود وما يجب له من صفات الكمال ونعوت الجلال غير ممكنة الحصول لنفوسنا زاد الآمدي لقوله تعالى: {ولا يحيطون به علماً} [طه: 110] وهذا مذهب الغزالي وجماعة الصوفية لقولهم لا يعرف الله إلا الله ونقل ذلك عن الجنيد وعزاه الإمام لجمهور المحققين فالعلم بها ممتنع في الدنيا والآخرة.
وقال قوم: يمكن علمها في الآخرة وقد اختصر السبكي الخلاف في ذلك في " جمع الجوامع " فقال حقيقته تعالى غالبة لسائر الحقائق قال المحققون: ليست معلومة لنا واختلف هل يمكن عملها في الآخرة انتهى، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً على أصحابه فوجد جماعة مجتمعين فقال " فيم أنتم " فقالوا نتفكر في ذات الله فقال: «تفكروا في مخلوقاته ولا تتفكروا في ذاته».
قال بعض العلماء: لأن الفكر في ذاته ربما أدى إلى شك أو وهم والتفكر في مخلوقاته يؤدي إلى علم أو فهم قالوا وفي القرآن أربعمائة آية كلها دالة على النظر والاستدلال إما نصاً صريحاً وإما إشارة وتلويحاً والله أعلم.
ولقد أحسن الشيخ أبو الحجاج الضرير في أرجوزته حيث يقول:
والعلم بالمهيمن القهار ... بحسب الفكر والاعتبار
والفكر في بديع مصنوعاته ... لا في صفاته ولا في ذاته
إذ ليس ينتهي لكنه العظمة ... جل الله ربنا ما أعظمه
والفكر في عجائب الخليقة ... من أفضل الطاعات في الحقيقة
لأنه به تكون المعرفة ... وإنما يخافه من عرفه
وأشار بالشرط الأخير لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [فاطر: 28] العلماء فتأمل ذلك وبالله التوفيق.
{وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ}.

الصفحة 37