كتاب شرح زروق على متن الرسالة (اسم الجزء: 1)

تعالى خلق في موسى – عليه السلام – معنى أدرك به كلامه وعلم أن المكلم له ربه يعلم ضروري خلقه له وفيه بحث من جهة أن كونه لا شبيه له لا ينفي الاشتباه عنه فلا يحتاج إلى دليل يدل على أنه هو والله أعلم.
وقول الشيخ لا خلق من خلقه قصد به الرد على المعتزلة القائلين إنما سمع عليه السلام صوت شجرة بناء على مذهبهم في إنكار الكلام النفسي والمتكلم حقيقة فاعل الكلام وهو باطل لما يلزم عليه من نفي خصوصية موسى عليه السلام بالتكليم وذلك أن الكلام كله إن كان قديماً فهو صفته وإن كان حادثاً فهو فعله فلو كان موسى إنما سمع كلاماً مخلوقاً في الشجرة أو في غيرها لم تكن له خصوصية في قوله تعالى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف: 144] إذ كل من سمع كلاماً فقد سمع كلام الله الذي يضاف إليه إضافة ملك وأي مزية وخصوصية مع ذلك وقوله (وتجلى للجبل) يعني ظهر له ظهور اقتضى له الاندكاك لما شهد من العظمة والجلال والجبل هو الطور والدك وهو المستوي بالأرض ومنه قولهم ناقة دكاء لا سنام لها فهي مستوية للظهر.
وفي هذا الكلام دليل أن الله خلق في الجبل إدراكاً حصل له به العلم بجلاله والرؤية التي أوجبت له الاندكاك والحياة التي لا بد منها في تحقيق ذلك وفي هذا دليل لإثبات الرؤيا وسيأتي الكلام عليها في محلها بعد إن شاء الله تعالى.
(وإن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فيبيدو لا صفة لمخلوق فينفد).
القرآن في اللغة المجموع من قريب الماء في الحوض إذا جمعته وقد اشتهر عند المتكلمين إطلاقه على كلام القديم وإن كان قد يراد منه ما يؤدي به من حروف وغيرها وكونه ليس بمخلوق وهو مذهب أهل السنة لأنه لو كان مخلوقاً لباد أي فنى كما تفنى الجواهر ونفد كما تنفد الأعراض وليس بجوهر ولا عرض حتى ينفد أو يبيد، وقد قال رجل لبعض المعتزلة أحسن الله عزاءك في الفاتحة فأنكر مقالته فقال: أنت تقول مخلوقة وكل مخلوق يموت.
قال الشيخ ناصر الدين وكل معتقد أن القول بأن القرآن مخلوق محرم بخلاف قول القائل قراءتي ولفظي بالقرآن مخلوق كما ذهب إليه البخاري وأبو سعيد الكلاعي

الصفحة 50