كتاب شرح زروق على متن الرسالة (اسم الجزء: 1)
كرم الله وجهه أتظنون أني حكمت مخلوقاً لا والله ما حكمت إلا القرآن.
وسمع ابن عباس رجلاً يقول يا رب القرآن فنهاه وقال القرآن غير مربوب إنما المربوب المخلوق ولم يحفظ عن مالك وطبقته إلا أن القرآن غير مخلوق دون زائد على ذلك وهو مذهب السلف والله أعلم.
(والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره وكل ذلك قد قدره الله ربنا ومقادير الأمور بيده ومصدرها عن قضائه).
هذا معطوف على أول الباب أعني قوله من ذلك الإيمان بالقلب والنطق باللسان أن الله واحد والإيمان بالقدر وأنه جار بالخير وهو ما فيه نفع وبالشر وهو ما فيه ضر وبالحلو هو ما فيه لذة وبالمر وهو ما فيه تألم يؤمن بأن كل ذلك قد قدره الله ربنا قالوا وفي قوله (وكل ذلك) للتفسير والمقصود أن كل الحوادث بإرادة الله ومشيئته وقضائه وقدره خيراً كانت أو شراً طاعة كانت أو معصية لكن الطاعة بقضائه وقدره ومحبته ورضاه؛ أمره والمعصية بإرادته وقضائه وقدره وسخطه وكراهته لا بأمره ومحبته ورضاه لأن المحبة والرضا إرادة الشيء مع استحسانه.
وهذا لا يتحقق في المعصية ولا فرق بين الإرادة والمشيئة خلافاً للكرامية وقالت المعتزلة: الكفر والمعاصي ليست بإرادته تعالى، لأن الإرادة عندهم مطابقة الأمر وعند المحققين مطابقة الفعل فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وقالت المعتزلة المعاصي ليست بقضاء الله وقدره كما قالوا في الإرادة لنا قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]. وقد قال – علي كرم الله وجهه - «لقدري أتقدر بالله أو مع الله أو دون الله فإن قلت بالأول فأنت مؤمن بالله والقدر وإلا ضربت عنقك» وقال لآخر «خلقك الله كما شاء أو كما شئت» قال كما شاء قال ويصرفك فيما شاء أو فيما شئت قال: فيما شاء قال: ويصيرك إلى ما شاء أو إلى ما شئت قال إلى ما شاء قال إذا فليس لك من الأمر شيء انتهى.
ومعنى قوله (مقادير الأمور بيده) أي تقديرها والحكم بها تحت قهره وقدره وأمره فإن اليد عند التأويل في حقه تعالى راجعة إلى القدرة وقد فرق بعضهم بين القضاء والقدر فقال الحكم الكلي الإجمالي في الأزل القضاء والقدر جزئيات ذلك
الصفحة 52
1196