كتاب شرح زروق على متن الرسالة (اسم الجزء: 1)

هو المختار من مذهب أهل السنة وقال أبو الفرس الصواب الجواز حيث لا إيهام ومنعه حيث الإيهام ومن أدلة غناه وافتقار الكل إليه قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [فاطر: 15 - 17].
وقد قال الشيخ أبو مدين رضي الله عنه الحق تعالى مستبد والوجود مستمد والمادة من عين الجود فلم انقطعت المادة لانهد الوجود انتهى ومعنى مستبد قائم بنفسه لا يحتاج إلى غيره والمستمد طالب المادة وهي إيصال ما ينتفع به والجود العطاء الذي لا علة له والله أعلم.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [فاطر: 3] الآية فلا خلق لشيء سواه سبحانه.
(رب العباد ورب أعمالهم والمقدر لحركاتهم وآجالهم).
الرب هو المالك فمعنى رب العباد مالكهم والعباد الخلق ومالك أعمالهم لأن موجد المركب موجد أجزائه وأحكامه وإلا فليس له وقالت المعتزلة إن العبد يخلق أفعاله القبيحة ولا صنع لله فيها ولا يصح إضافتها إليه بوجه وكذا جميع الإضافات في غير الأشياء المحمودة لامتناع وجود ذلك منه تعالى وهو مذهب فاسد يؤدي إلى إثبات اللبس كقول لا فعل للعبد أصلاً وما يضاف إليه توسع ومجاز ومذهب أهل الحق أن العبد له قدرة تقترن بالفعل ولا تؤثر فيه وأنه مجبور في عين اختياره حتى قال بعض الشيوخ الفاسيين في ذلك مذهبنا أن لنا قدرة حادثة لسنا بها نقدر خالقنا أبي إطلاقها في قوله تعالى: {مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] ودليلنا على المعتزلة قوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102] وعلى الجبرية الفرق بين حركة المرتعش والمختار.
وقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الخَيْرَ} [الحج: 77] وما ورد من الثواب والعقاب وما ورد من تعليق الأحكام بأفعال المكلفين وقد قيل للحسن رحمه الله أجبر الله عباده قال الله أعدل من ذلك قيل أفوض إليهم؟ قال الله أعز من ذلك ثم قال لو جبرهم لما عذبهم ولو فوض إليهم لما كان للأمر معنى ولكنه منزلة بين المنزلتين كبعد ما بين السماء والأرض ولله فيه سر لا تعلمونه.
وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] وقال تعالى: {وَمَا

الصفحة 56