كتاب شرح زروق على متن الرسالة (اسم الجزء: 1)

وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] فالتقدير ما رميت اختراعاً إذ رميت اختياراً ولكن الله رمى اختراعا قال بعض العلماء وهذه المسألة لم يزل الخلاف فيها من لدن آدم إلى الآن ولا يرتفع إلى الأبد وسمعت شيخنا أبا يزيد عبد الرحمن الجزولي التونسي وكان قد أخذ عن الشيخ أبي عبد الله لأبي صاحب شرح مسلم وغيره يقول كان شيخنا يعني الأبي يقول كل أوجل ضلالة المعتزلة في ثلاثة الكلام في الكلام والكلام في القدرة الاكتسابية والكلام في الرؤية، قلت ولكل منها تحرير وتحقيق مذكور في كتب الأئمة يتعين تحصيله على كل طالب نبيل ويتعين على ضعيف العقل تحريره من الاشتباه وترك الاتساع في الخوض فيه طلباً للسلامة وبالله التوفيق.
ثم مذهب أهل الحق أن الآجال والأرزاق مقدرة لا يتبدل ما في علمه منها والكلام في ذلك طويل عريض والله سبحانه أعلم.
(الباعث الرسل إليهم لإقامة الحجة عليهم).
الباعث هو الموجه والمشخص يقال بعثت الرجل إذا وجهته وأشخصته وأرسلته في أمر والرسول في اللغة السفير قال الجوهري السفير المصلح وهو في الشرع إنسان أوحي إليه بشرع أمر بتبليغه فإن لم يؤمر بالتبليغ فنبي قط وقيل النبي والرسول بمعنى واحد ولا يصح وقيل الرسول من جاء بشرع جديد أو كتاب جديد والنبي من جاء مجدداً لشريعة غيره كيوشع بن نون بلا خلاف استدل له بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ} [الحج: 52] فقرنهما في الإرسال وفرق بينهما في المعنى.
وقوله عليه السلام: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل» ومذهب أهل الحق أن بعث الأنبياء من الجائز المتحقق وقوعه وجعلته المعتزلة واجباً والبراهمة محالاً فأفرط الأولون وفرط الآخرون وهدى الله أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه وروي أن الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألفاً والرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر فقال المحققون هو خبر أحاد لا يفيد العلم وقد أعل بالوقف فنقر بجملتهم ولا نتعرض لعددهم ونعتقد أن أولهم آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم واختلف هل آدم رسول أو نبي فقط.
قال المحققون وليس فيهم أنثى لأن النبوة تقتضي الاستشهار والأنوثة تقتضي الاستتار وقد قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً} [الأنبياء: 7].

الصفحة 57