كتاب شرح زروق على متن الرسالة (اسم الجزء: 1)

(فجعله أخر المرسلين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً).
يعني بشيراً لأهل الصلاح بالفلاح أي البقاء في نعيم الأبد وأصل البشارة الخبر الصادق بخير أو شر ثم غلب استعماله في الخير علماً والدعاء إلى الله طلب الانحياش إليه والسراج المصباح مثل به – عليه السلام – لأنه يتناول منه ولا ينقص نوره بخلاف الشمس والقمر وغيرهما من النيرات وكونه منيراً في إشراقه لعموم دعوته وانتفاع العبد بضوئه كالقريب.
وفي الصحيح أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الأحزاب: 45] وحرزاً في الأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يميته الله حتى يقيم به الملة العوجاء قال البخاري يعني ما كانت عليه العرب مما يدعون أنه ملة إبراهيم ففتح به أعينا عمياً وآذانا صماً {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} أخرجه البخاري وغيره ويكفي في كرامته أن عيسى عليه السلام من أمته إذ ينزل إلى الأرض فيكون فيها حكماً عادلاً مقسطاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير وإمامنا منا فهو أحد أكابر الملة وقد قيل إنه خاتم الأولياء والله أعلم.
وقوله بإذنه أي بأمره يعني حسب ما أمره وبالله التوفيق.
(وأنزل عليه كتابه الحكيم وشرح به دينه القويم وهدى به الصراط المستقيم).
يعني وأنزل الله كتابه الذي هو القرآن العظيم المحتوي على الحكمة التي هي الإتيان بكل شيء على وجهه وعلى الأحكام الشرعية وقد أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير فجعله معجزاً في جملته وتفصيله {لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء: 88] {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} [البقرة: 23] الآية.
قال الشيخ أبو إسحاق فالإعجاز وقع بسورة وأحصر سورة فيه سورة الكوثر وهي ثلاث آيات فالإعجاز وقع بثلاث آيات والقرآن ست آلاف آية ونيف فيه ففيه ألفاً معجزة وزائد وقد سئل بعض العلماء فقيل له لكل كتاب ترجمة فما ترجمة كتابنا

الصفحة 60