كتاب شرح زروق على متن الرسالة (اسم الجزء: 1)

والكبائر إن شاء عاقبه بالجميع أو غفر له الجميع أو غفر له الصغيرة فقط أو الكبيرة فقط وقد قال ابن عطاء الله في الحكم لا صغيرة إذا قابلك عدله ولا كبيرة إذا واجهك فضله ومعنى صائراً أي راجعاً إلى مشيئته يفعل به ما شاء من رحمة أو تعذيب.
والناس قسمان مؤمن وكافر فالكافر في النار بإجماع والمؤمن طائع وعاص فالطائع في الجنة بإجماع والعاصي صاحب كبيرة وصاحب صغيرة فالصغيرة مكفرة باجتناب الكبيرة والكبيرة مغفورة بالتوبة إذا استوفت شروطها في علم الله وهل قطعا أو زنا قولان وإن مات صاحبها قبل التوبة والتكفير فمذهب أهل الحق مؤمن وعاص متعرض للعفو والعقوبة حسب مشيئة الله فيه لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48] فلذلك أتى به الشيخ ههنا ثم في هذا رد على أربع طوائف.
الأولى: الخوارج القائلون بتكفير العاصي إن لم يتب والقائلون بأنه منافق وهذا نوع منهم ومنهم من عمم ذلك في الصغيرة والكبيرة ومن خصه بالكبيرة.
الثانية: المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان عمل كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
الثالثة: الوعيدية من المعتزلة القائلون بأنه لا بد من إنفاذ الوعيد والتخليد بالذنب في النار.
الرابعة: المعتزلة القائلون بأن له منزلة بين المنزلتين فلا يقال فيه مؤمن ولا كافر وجعلوا الفسق مرتبة بين الكفر والإيمان فالخلاف في العاصي على هذا حقيقة وحكما واسما ومذهب أهل السنة أنه مؤمن حقيقة واسما وحكما ما لم يكن مستحلا أو مستخفا بربه ودليلهم هو الآية وغيرها من الأدلة القاطعة فانظرها وتأملها تجد ما ذكر فيها ظاهرا منها وبالله التوفيق.
تنبيه:
جرت عادة أكثر المقيدين والشراح بذكر جملة من أحكام التوبة هنا وليس بمحل لها إنما محل الكلام عليها باب جمل من الفرائض والصواب هنا الكلام على ما يتعلق بالمعتقد وقد قالوا إن الاعتقادات كلها مأخوذة من سورة الأنعام فلذلك كان أول الكلام فيها من بدء الخلق والدلالة على الخالق وآخرها الكلام على تضعيف الأعمال

الصفحة 66