كتاب شرح زروق على متن الرسالة (اسم الجزء: 1)
والإمامة فتأمل ذلك تجده صحيحاً وبالله التوفيق.
(من عاقبه بناره أخرجه منها بإيمانه فأدخله به جنته).
يعني أن الأحاديث والآيات دالة على أنه لا بد لطائفة من الموحدين يعاقبون على ذنوبهم بدخول النار خلافاً للمرجئة وأنهم يخرجون منها بما شاء الله من شفاعة أو كرم بلا واسطة لإيمانهم حتى لا يبقى في جهنم إلا الكافرون خلافاً للمعتزلة في التخليد بالذنب وإن كل مؤمن من أهل الجنة طائعاً كان أو عاصياً وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله أخرجوا من النار من في قلبه أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجون منها قد متحشوا وصاروا حمما فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ألا تروا أنها تخرج صفراء ملتوية» رواه البخاري وغيره.
والحبة بكسر الحاء نبت الخلا والله أعلم وقد جاء في الصحيح «لن يدخل أحد الجنة بعمله» قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» فقول الشيخ بإيمانه بيان للسبب والرحمة أصل كل شيء والباء في قوله (بناره) قال الشيخ ناصر الدين يجوز أن تكون بمعنى الفاء أي في ناره كقوله أقمت بمكة وقيل هي باء الفعل كقوله خلق الله العالم بقدرته وإضافة النار إلى الاسم الكريم إضافة ملك لمالك وقد قال تعالى: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} [الهمزة: 6] وإنما أضيفت للتهويل وأضيفت للجنة للتشريف كدين الله وبيت الله ونحو ذلك.
(ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره).
أشار بهذا لما وقع في الحديث من قوله: «أخرجوا من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان» على أحد الروايات والمثقال زنة الشيء والذرة عبارة عن أدنى الشيء قيل هي النميلة الحمراء وقيل البيضاء لأنها لا تميل الميزان وقيل الحيوان الذي يظهر في الهباء عند دخول الشمس من بعض الكوى وقيل جزء من مائة وسبعين جزءاً من حبة من شعير وقيل ما لا يراه أحد وقيل غير ذلك وقد أنهى بعضهم الأقوال في ذلك إلى عشرين قولاً مرجعها إلى أقل شيء في الوجود ما هو والخير ما فيه منفعة دينية وسلامة هنا ويقابله الشر بضده.
وقد جاء القرآن بهما على المقابلة فاكتفى الشيخ بأحدهما عن الآخر لدلالته عليه
الصفحة 67
1196