كتاب شرح زروق على متن الرسالة (اسم الجزء: 1)
يعني أن الجنة والنار مخلوقتان الآن لقوله تعالى {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} ولا يكون معدا إلا ما كان حاصلاً وإلا ما كان ثابتاً فالحمل على ظاهر النصوص واجب هذا مذهب أهل السنة خلافاً لجمهور المعتزلة قال في المقاصد لم يرد نص صريح في مكان الجنة والنار والأكثر على أن الجنة فوق السموات السبع وتحت العرش تشبثاً بقوله تعالى {عِندَ سِدْرَةِ المُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَى} [النجم: 14، 15] وقوله عليه السلام: «سقف الجنة عرش الرحمن والنار تحت الأرضين السبع» والحق تفويض ذلك إلى علم العليم الخبير انتهى.
قيل وسميت جنة ولا جنتان أرضها بالأشجار أي سترها بها لكثرتها وتضافرها قلت: لو قيل: إنه لاجتنابها أي استتارها عن الأفهام والأوهام إذ فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لكان له وجه فتأمل ذلك وقوله (فأعدها دار خلود لا وليائه وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم) يعني هيأها محلا للبقاء السرمدي في حق أوليائه وهم المؤمنون لقوله تعالى الله {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} {وَاللَّهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ} وقد صح إذا استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، يؤتي بالموت على صورة كبش فيقال: يا أهل الجنة ويا أهل النار هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت فيذبح بين الجنة. والنار ثم ينادي منادياً أهل الجنة خلود لا موت ويا أهل النار خلود لا موت، الحديث صحيح لكن لم أذكر لفظه لطول العهد به والنظر إلى وجهه تعالى أي ذاته من أكبر الكرامات وقد جاء الوعد به في الآخرة بقوله تعالى {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] فبالضاد من النضرة التي هي الحسن والجمال وبالظاء المشالة من النظر الذي هو الأبصار بالبصائر والأبصار، فأما البصائر فلم يتعرض لها الشيخ، وإنما مراده رؤية الأبصار فيكشف سبحانه الغطاء عن أبصار عباده المؤمنين انكشاف القمر ليلة البدر كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه نيف وعشرون من أكابر الصحابة.
وقال علماؤنا شبه فيه النظر بالنظر لا المنظور بالمنظور لأنه تعالى منزه عن المكان والجهة والمقابلة والمواجهة وتقليب الحدقة واتصال الأشعة بل هي رؤية وجود لا أنه في مكان محدود بل كما قال بعضهم لما سئل كيف يرى الله في الآخرة يري نفسه
الصفحة 69
1196