كتاب شرح زروق على متن الرسالة (اسم الجزء: 1)

لمخلوقاته وليس في جهه من نفسه ولا مخلوقاته فرؤيته تعالى جائزة عقلاً في الدنيا والآخرة خلافاً لجميع الفرق ودليل جوازها عقلاً هو أن علة الرؤية الوجود في كل موجود، فإذا جازت رؤية موجود جازت رؤية كل موجود وقد أوجبتها الشريعة في الآخرة بالوعد بها كما تقدم ونفتها في الدنيا لحديث «أن الدجال أعور وإن ربكم ليس بأعور وإن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت».
قال علماؤنا والنبي صلى الله عليه وسلم خارج من هذا الخطاب إذ قد رآه ليلة الإسراء بقلبه عند الأكثر بعيني رأسه عند المحققين وتوقف عياض وغيره لعدم القاطع بنفي أو إثبات وحكى القشيري عن الأشعري قولين في إثبات وقوع رؤيته تعالى لغيره عليه السلام في الدنيا والكافة على المنع المنفي ويحتمل أن يكون أحد القولين رجوعاً إلى الكافة فتتم كلمة الإجماع وإلا فهو ضعيف بل مصادم للنص واستدل بعضهم للنفي بقوله تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام: 103] واستدل بها آخرون للإثبات بقوله {وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} فانظر ذلك وذهب الأشعري إلى أنه يجوز أن يقال أنه مشار إليه بناء على زعمه أن الإشارة تقوم بالمشير لا بالمشار إليه واختلف هل لمؤمني الجن رؤيته تعالى في الآخرة كالمؤمنين من الآدميين وجزم ابن عبد السلام بنفي رؤيته تعالى للملائكة وفيه نظر وذكر غيره الخلاف في ذلك وقد حكي عن كثير من السلف رؤيته تعالى في المنام والتحقيق.
أن الرائي في النوم هو الروح فتكون الرؤية مكاشفة وقد قال عمر رضي الله عنه رأى قلبي ربي ولما ادعى بعض الصوفية أنه رأى ربه في منامه على وصفه قيل له كيف رأيت فقال انعكس بصري في بصيرتي فصرت كلي بصراً فرأيت من ليس كمثله شيء انتهى.
ومذهب الأشعري أن الوجه صفة له تعالى معلومة من الشرع يجب الإيمان بها مع نفي الجارحة المستحيلة وكل ما ينافي الجلال فهو مستحيل.
(وقوله وهي التي أهبط منها آدم نبيه وخليفته إلى أرضه بما سبق في سابق علمه).
يعني والجنة المذكورة بأنها أعدت لأوليائه تعالى هي التي كان فيها آدم حين قيل له ولمن كان معه {أهبطوا} يعني إلى الأرض والهبوط إنما يكون من علو إلى سفل

الصفحة 70