كتاب شرح زروق على متن الرسالة (اسم الجزء: 1)

وقالت المعتزلة هي جنة بعدن لأن الله تعالى قد قال في الجنة التي أعدت للمتقين {وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48] ومذهب أهل السنة في توقف الجزاء بها لأنه وصف ذاتي هنا وقد ذهب منذر بن سعيد البلوطي لمذهب المعتزلة في هذه المسألة حكاه عنه ابن عطية فذكر ابن لما رحل إلى المشرق التقى ببعض المعتزلة فدس عليه هذه المسألة وهو مسبوق بالإجماع ومحجوج به ثم في قوله (نبيه وخليفته) تنبيه على مزية آدم وجلاله قدره حتى لا يتوهم شيء من النقص في نزوله لأن النبي معصوم من المعاصي.
والخلافة ثابتة له بقوله تعالى قبل أن يخلقه {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] أتراه يقيمه خليفة على عباده ويجعله محل النقص والعصيان ولذلك قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله تعالى عنه والله ما أنزل الله آدم إلى الأرض إلا ليكمله وما أنزله لينقصه ولقد أنزله إليها قبل أن يخلقه إذ قال {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} أتراه يستخلفه في الأرض ثم لا ينزله إليها.
وقد أشار الشيخ إلى هذا بقوله بما سبق في سابق علمه وقد جاء القرآن بقوله تعالى {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] وهو مما يجب تأويله لبطلان العصيان الموجب للإثم في حقه لما يجب من اعتقاده توقيره وتعزيره الواجب لكل نبي فأجيب أن العصيان عبارة عن مخالفة الأمر بما هو أعم من قصد المخالفة فيصدق على النسيان وغيره وقد جاء صريح القرآن بذكر النسيان في ذلك فوجب حمل العصيان على وقوع المخالفة بالنسيان وذلك لا يوجب نقصاً ولا تأثيماً ومعنى فغوى أي شقي وتعب في الأرض بنزوله إذ كان في الجنة لا يجوع ولا يعري ولا يظمأ ولا يشقي فنزل إلى محل يحتاج إلى أن يأكل فيه من كد يمينه وعرق جبينه فأدركه الكد إلى غير ذلك فيما لا نقص فيه ولا إثم ثم إطلاق هذا الموهم في شأنه لا يضرنا مع تأويله.
ونقول في ذلك للسيد أن يقول لعبده ما شاء وعلينا أن نتأدب مع العبد لأنا مأمورون بذلك في قوله تعالى: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9] وهذا الذي ذكرنا من أنزه الطرق في التأويل وأوجهها والكلام في هذا الطويل عريض فلينظر في محله من التفاسير وبيان المشكل من الكتاب والسنة وخصوصاً آخر الشفاء لعياض ولكن يحتاج لعلم جم ونظر سديد والله أعلم.

الصفحة 71