كتاب شرح زروق على متن الرسالة (اسم الجزء: 1)

(وخلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به وألحد في آياته وكتبه ورسله وجعلهم محجوبين عن رؤيته).
ذكر في هذه الجملة أن النار مخلوقة وأنها أعدت للكافرين والملحدين على سبيل التخليد وأنهم محجوبون عن رؤيته ظاهره مطلقاً وقيل أنهم يرونه تعالى في عرصات القيامة لقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وَقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ} [الأنعام: 30] وهو معارض لقوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] فتؤول الأول بأنه وقوف معنوي والحجب المعن عن الرؤية وبيان ذلك أن رؤية الملك كرامة فلا تكون إلا لأهل ولايته والحجب من لوازم الطرد والإبعاد وأجيب بأن الرؤية على وجه القمر والعذاب أشد من الحجب وقد تقدم الكلام في أن الجنة والنار مخلوقتان لأهل السعادة والشقاوة معدتان وأن الخلود هو البقاء الذي لا آخر له قالوا وإنما خلد كل لاعتقاده لأنه لو كان باقياً أبداً ما ترك ما هو عليه من دينه.
والكفر في اللغة التغطية ومنه سمى الحراث كافراً لأنه يغطي الزرع بالأرض وهو المراد بقوله تعالى: {أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحديد: 20] وهو شرعاً تغطية الحق بالباطل والإلحاد الحيدة عن الحق في الآيات بإنكارها وتبديلها وإخراجها عن مقصودها وأصله من اللحد وهو الحيدة في الدفن عن سواء القبر إلى جانبه والآيات الدالة الموصلة إلى العلم.
وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ القِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: 40] هذا تهديد بل نص في أن من ألحد في آياته يلقى في النار وأن غير الملحد يأتي آمنا يوم القيامة والتحقيق أن الجنة محل رؤيته تعالى وكرامته للمؤمنين وأن النار محل الإهانة فلا رؤية فيها وعرصات القيامة موقف المطالبة ولا كرامة معها مع احتمالها المبالغة في العقوبة بظهور القهر وقيام الحجة ولا نص في ذلك من الشارع.
فالصواب الوقف وما في حديث الساق مشكل جداً وللعلماء فيه كلام فانظره وبالله التوفيق.
(وأن الله تبارك وتعالى يجيء يوم القيامة والملك صفاً صفاً لعرض الأمم

الصفحة 72