كتاب شرح زروق على متن الرسالة (اسم الجزء: 1)

السؤال وهو ما علمت ولم عملت قال الله تعالى: {فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ المُرْسَلِينَ} [الأعراف: 6] الآية، وانظر بقية كلامه وحاصلة أن العرض أولا ثم الحساب ثم الوزن ثم العقاب والثواب وفي البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حوسب عذب فقالت عائشة رضي الله عنها أو ليس يقول الله تعالى {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق: 8]، فقال: إنما ذلك العرض ولكن من نوقش الحساب يهلك الحديث.
(وتوضع الموازين لوزن أعمال العباد فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون).
يعني أن أعمال العباد توزن بميزان له كفتان ولسان قال الله تعالى: {وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] والموازين جمع ميزان وظاهر هذا أن الميزان متعدد وهل بحسب كل أمة أو بحسب كل شخص شخص أو الميزان متحد والمتعدد الموزونات ثلاثة أقوال الصحيح منها الآخر إذ لم يدل قاطع على خلافه ولا راجح من الأدلة عليه وأنكرت المعتزلة أن يكون ميزاناً حسياً وقالوا هو شيء يعرف به مقادير الأعمال كما تعرف الأوقات بميزان الشمس ونحوه وقالوا: إن الأعمال معان فلا يمكن وزنها وأجيب بأن الموزون الصحائف والثقل والخفة بحسب ما فيها من المعاني والنقص والرجحان معنى يرد على معنى وذلك غير مستحيل.
وظاهر النصوص يقتضيه فلا وجه للعدول عنه وقوله {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} يعني على الوجه المعروف في الثقل والخفة لأن الأشياء لا تصرف على ما يعرف ولا تتأول على خلاف ما يعرف إذ كان المعروف ممكنا من غير معارض ولا دافع خلافاً لمن يقول أنه مخالف لميزان الدنيا بارتفاع كفة الثقل إلى فوق والصواب في هذا كله الوقف بعد إثبات الميزان والله أعلم والفلاح البقاء في النعيم الأبدي لأن الفلاح لغة البقاء لقول الشاعر:
لكل ضيق من الأمور سعة ... والمساء والصبح لا فلاح معه
أي لا بقاء معه ويقال لمن تخلص من البلاء نجا فإذا حصل مع ذلك في النعيم فقد فاز فإن تم أمره فقد سعد فإن دام نعيمه فقد أفلح قال الله تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ

الصفحة 74