كتاب الصارم البتار للإجهاز على من خالف الكتاب والسنة والإجماع والآثار

أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يضربوا بعضها ببعض فإن ذلك ليس بالأمر الهين، بل عاقبته وخيمة جدًا.
الوجه السابع: أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما وضع ربا العباس وغيره من ربا الجاهلية لأنه إذ ذاك كان باقيا في ذمم المدينين وقد أبطله الإسلام فلهذا وضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومثله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي باع صاعين من التمر الرديء بصاع من التمر الطيب: «هذا الربا فردوه» فكما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضع ربا العباس وغيره من ربا الجاهلية ولم يُقرهم عليه فكذلك قد أمر - صلى الله عليه وسلم - برد ربا الفضل ولم يقر الرجل عليه، فقد اتفق حكمه - صلى الله عليه وسلم - في وضع ربا الجاهلية وفي رد ربا الفضل، والعمل بهذا الحكم واجب متحتم ولا يجوز لأحد أن يخالفه، ومن عمل به في ربا الجاهلية وخالفه في ربا الفضل كما فعل الفتان فقد عرض نفسه للخطر العظيم؛ لأن الله -تعالى- يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، قال الإمام أحمد: "أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك"، فليحذر الفتان مما حذر الله منه في هذه الآية الكريمة، فلعله أن يكون له نصيب وافر مما جاء فيها وهو لا يشعر.
وأما قوله: إن آخر مرة خاطب فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمته كان في حجة الوداع حيث قال: «ألا وإن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب».
فجوابه: أن يقال: هذا كلام تضحك منه الثكلى، وينبغي أن يوضع في الكتب التي تشتمل على أقوال الحمقى والمغفلين، وإنه لينطبق على الفتان قول الشاعر:
لقد كان في الإعراض ستر جهالة ... غدوتَ بها من أشهر الناس في البُلْد

وهل يظن الفتان الذي يهرف بما لا يعرف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الخطاب مع أمته بعد أن قال لهم في حجة الوداع: «ألا إن ربا الجاهلية موضوع» فلم يكلمهم بعد ذلك حتى مات؟ أما علم المتكلف ما لا علم له به أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يترك الخطاب مع أمته جماعات وأفرادا إلى أن نزل به الموت فجعل وهو في سياق الموت يحذرهم من اتخاذ القبور مساجد، ويوصيهم بالصلاة وما ملكت أيمانهم، قالت عائشة وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهم- لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طفق يلقي خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» تقول عائشة -رضي الله عنها-: "يحذر مثل الذي صنعوا" رواه ..............................

الصفحة 109