كتاب الصارم البتار للإجهاز على من خالف الكتاب والسنة والإجماع والآثار
فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}: "هذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار". انتهى، ومعنى قوله: {فَأْذَنُوا} أي استيقنوا وكونوا على علم، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "قوله: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله" رواه ابن جرير، وعنه أيضا قال: «يقال يوم القيامة لآكل الربا خذ سلاحك للحرب» رواه ابن جرير، وقال البغوي: قال أهل المعاني: "حرب الله النار وحرب رسول الله السيف". وروى ابن جرير من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} إلى قوله: {بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}: "فمن كان مقيمًا على الربا لا ينزع عنه فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه فإن نزع وإلا ضرب عنقه"، قال أبو بكر الجصاص في (أحكام القرآن): "هذا محمول على أن يفعله مستحلا له؛ لأنه لا خلاف بين أهل العلم أنه ليس بكافر إذا اعتقد تحريمه". انتهى، وروى ابن أبي حاتم عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا: "والله إن هؤلاء الصيارفة لأكلة الربا، وإنهم قد أذنوا بحرب من الله ورسوله، ولو كان على الناس إمام عادل لاستتابهم فإن تابوا وإلا وضع فيهم السلاح".
وإذا كان هذا قول الحسن وابن سيرين في الصيارفة الذين كانوا في زمانهما فكيف لو رأوا أهل البنوك في زماننا؟! فإنهم بلا شك أشد محاربة لله ولرسوله ممن كانوا في زمان الحسن وابن سيرين، وعلى هذا فإنه يجب على إمام المسلمين أن يستتيبهم فإن تابوا وإلا عاقبهم بأشد العقوبة، وسيسأل الله -تبارك وتعالى- ولاة أمور المسلمين يوم القيامة عما استرعاهم، وهو لهم بالمرصاد فيما أهملوه من الأخذ على أيدي المرابين والمجادلين بالباطل في استحلال الربا وغيرهم من المعاندين والمجاهرين بالمعاصي، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته» الحديث، رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، وروى الإمام أحمد أيضا عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يسترعي الله -تبارك وتعالى- عبدًا رعية قلَّت أو كثرت إلا سأله -تبارك وتعالى- عنها يوم القيامة، أقام فيهم أمر الله -تبارك وتعالى- أم أضاعه، حتى يسأله عن أهل بيته خاصة».
وروي ابن جرير عن قتادة في قوله: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} قال: "أوعدهم الله بالقتل كما تسمعون
الصفحة 22
204