كتاب الصارم البتار للإجهاز على من خالف الكتاب والسنة والإجماع والآثار

{وَحَرَّمَ الرِّبَا} تحريم جميعها لشمول الاسم عليها من طريق الشرع، ولم يكن تعاملهم بالربا إلا على الوجه الذي ذكرنا من قرض دراهم أو دنانير إلى أجل مع شرط الزيادة". انتهى، وقال الزمخشري والنسفي في الكلام على قوله -تعالى-: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}: "هذا نهي عن الربا مع التوبيخ بما كانوا عليه من تضعيفه"، وقال ابن الجوزي: "قال أهل التفسير: هذه الآية نزلت في ربان الجاهلية"، قال سعيد بن جبير: "كان الرجل يكون له على الرجل المال فإذا حل الأجل يقول أخِّر عني وأزيدك على مالك فتلك الأضعاف المضاعفة". وقال الماوردي في الكلام على الآية: "هو أن يقول له بعد حلول الأجل إما أن تقضي وإما أن تربي، فإن لم يفعل ضاعف ذلك عليه ثم يفعل كذلك عند حلوله من بعد حتى تصير أضعافا مضاعفة"، وقال أبو حيان في الكلام على الآية: "نهوا عن الحالة الشنعاء التي يوقعون الربا عليها، كان الطالب يقول أتقضي أم تربي، وربما استغرق بالنزر اليسير مال المدين؛ لأنه إذا لم يجد وفاء زاد في الدين وزاد في الأجل، وأشار بقوله: (مضاعفة) إلى أنهم كانوا يكررون التضعيف عاما بعد عام، والربا محرم جميع أنواعه، فهذه الحال لا مفهوم لها وليست قيدًا في النهي، إذ ما لا يقع أضعافا مضاعفة مساوٍ في التحريم لما كان أضعافًا مضاعفة". انتهى، وقال القرطبي في الكلام على الآية: "إنما خص الربا من بين سائر المعاصي لأنه الذي أذن الله فيه بالحرب في قوله -تعالى-: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} والحرب يؤذن بالقتل، فكأنه يقول إن لم تتقوا الربا هزمتم وقتلتم فأمرهم بترك الربا، و (مضاعفة) إشارة إلى تكرار التضعيف عاما بعد عام كما كانوا يصنعون، فدلت هذه العبارة المؤكدة على شنعة فعلهم وقبحه، ولذلك ذكرت حالة التضعيف خاصة". انتهى.
السابعة عشرة: أن النهي عن أكل الربا في سورة آل عمران جاء مقرونا بالأمر بتقوى الله -تعالى- والأمر باتقاء النار والأمر بطاعة الله وطاعة رسوله، فدل هذا على التشديد في التعامل بالربا والتأكيد في النهي عنه، قال القرطبي: "قوله -تعالى-: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أي في أموال الربا فلا تأكلوها، ثم خوفهم فقال: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} قال كثير من المفسرين: وهذا الوعيد لمن استحل الربا، ومن استحل الربا فإنه يكفر ويكفر، وقيل معناه: اتقوا العمل الذي ينزع منكم الإيمان فتستوجبون النار ... ثم ذكر أنواعًا من الكبائر التي يستوجب صاحبها نزع الإيمان ويخاف عليه من نزعه ومنها أكل الربا"، وذكر ابن الجوزي وأبو حيان عن ابن عباس -رضي الله عنهما-

الصفحة 25