كتاب الصارم البتار للإجهاز على من خالف الكتاب والسنة والإجماع والآثار
ومنها: حديث أبي الزبير المكي - وهو الحديث الأربعون - فقد جاء فيه أن ابن عباس -رضي الله عنهما- كان يفتي بالدينار بالدينارين فأغلظ له أبو أسيد القول، فقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "هذا شيء كنت أقوله برأيي، ولم أسمع فيه شيئًا". رواه الطبراني في الكبير، قال الهيثمي: "وإسناده حسن"، وقد تقدم ذكره.
وبما ذكرته من الروايات المتواترة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- يعلم قطعا أنه قد رجع عن قوله بجواز بيع الذهب بالذهب متفاضلا والفضة بالفضة متفاضلا إذا كان يدا بيد، وقد روى ابن حزم بإسناده إلى سعيد بن جبير أنه حلف بالله أن ابن عباس -رضي الله عنهما- ما رجع عن قوله في الصرف حتى مات، قال السبكي في (تكملة شرح المهذب): "قال ابن عبد البر: رجع ابن عباس أو لم يرجع، في السنة كفاية عن قول كل أحد، ومن خالفها رد إليها، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ردوا الجهالات إلى السنة".
قلتُ قد تواترت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأمر بالمماثلة بين الذهب والذهب وبين الفضة والفضة وينهى عن المفاضلة بينهما، وتقدم ذلك في الحديث الرابع عشر وما بعده من الأحاديث فلتراجع، وليتمسك بها المؤمن ولا يلتفت إلى ما خالفها من أقوال الناس وآرائهم، فإنه لا قول لأحد مع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال مجاهد: "ليس أحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - "، رواه البخاري في (جزء رفع اليدين) بإسناد صحيح، وقال سالم بن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تتبع"، رواه البخاري في (جزء رفع اليدين) بإسناد صحيح، وقال الأوزاعي: "كتب عمر بن عبد العزيز أنه لا رأي لأحد في سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، رواه الدارمي بإسناد جيد، وقد قال الله -تعالى-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا}، قال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-: "أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أن يدعها لقول أحد".
فصل
وقد كان ابن مسعود -رضي الله عنه- يرى جواز المفاضلة في بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة ثم رجع عن ذلك لما بلغة النهي عنه. قال عبد الرزاق في مصنفه:
الصفحة 51
204