كتاب الصارم البتار للإجهاز على من خالف الكتاب والسنة والإجماع والآثار
بسواء عينا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى» فرد الناس ما أخذوا فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه، فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كره معاوية، أو قال وإن رغم، ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء.
وروى ابن ماجة في الباب الثاني من مقدمة سننه بإسناد حسن عن إسحاق بن قبيصة عن أبيه - وهو قبيصة بن ذؤيب الخزاعي - أن عبادة بن الصامت الأنصاري النقيب صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا مع معاوية أرض الروم فنظر إلى الناس وهم يتبايعون كسر الذهب بالدنانير وكسر الفضة بالدراهم فقال: يا أيها الناس إنكم تأكلون الربا، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تبتاعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، لا زيادة بينهما ولا نظرة» فقال له معاوية: يا أبا الوليد لا أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة، فقال عبادة: أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحدثني عن رأيك، لئن أخرجني الله لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة، فلما قفل لحق بالمدينة فقال له عمر بن الخطاب: ما أقدمك يا أبا الوليد؟ فقصَّ عليه القصة وما قال من مساكنته، فقال: أرجع يا أبا الوليد إلى أرضك، فقبح الله أرضا لست فيها وأمثالك. وكتب إلى معاوية: لا إمرة لك عليه، واحمل الناس على ما قال فإنه هو الأمر.
قال تقي الدين السبكي في (تكملة شرح المهذب): "هذا المنقول عن معاوية معناه أنه كان لا يرى الربا في بيع العين بالتبر ولا بالمصوغ، وكان يجيز في ذلك التفاضل ويذهب إلى أن الربا لا يكون في التفاضل إلا في التبر بالتبر وفي المصوغ بالمصوغ وفي العين بالعين، كذلك نقل عنه ابن عبد البر، فليس موافقا ابن عباس مطلقا وإن كان الذي ذهب إليه من الذي لا يعول عليه".
وقال السبكي أيضا: "وأما معاوية فقد تقدم أنه غير قائل بقول أبن عباس مع شذوذ ما قال به أيضا، والظن به لما كتب إليه عمر -رضي الله عنه- أنه يرجع عن ذلك".
قلت: لم يذكر أحد عن معاوية -رضي الله عنه- أنه خالف قول عمر -رضي الله عنه- أن الأمر على ما قاله عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-، ولا أنه خالف أمره بأن يحمل الناس على ذلك، فيستفاد من عدم مخالفته عمر -رضي الله عنه- أنه قد رجع عن رأيه الذي واجه به أبا الدرداء وعبادة بن الصامت -رضي الله عنهما-، والله أعلم.
الصفحة 53
204