كتاب الصارم البتار للإجهاز على من خالف الكتاب والسنة والإجماع والآثار
العرب وخاف منها هرقل وغيره من أكابر الملوك. وقد مكَّن الله للمسلمين بهذه القوة فاستولوا على جميع جزيرة العرب وعلى كثير مما حولها من بلاد الفرس والروم، ولم يكن لهم في تلك الأزمان قوة اقتصادية سوى ما يحصل لهم من الغنائم في بعض الغزوات وهي لا تكفي لما يحتاجون إليه لمجابهة أعدائهم. وقد استعار النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين أدراعًا من صفوان بن أمية - وهو إذا ذاك مشرك - ولو كانت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - قوة اقتصادية لما احتاج إلى الاستعارة من رجل مشرك، وكذلك قد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه على تجهيز جيش العسرة في غزوة تبوك، وكانت هذه الغزوة في أثناء سنة تسع من الهجرة. ولو كانت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - قوة اقتصادية لكان يجهزهم من عنده ولا يحتاج إلى ترغيب الأغنياء في تجهيزهم، والدليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن عنده قوة اقتصادية قول الله -تعالى-: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ}، وهذه الآية نزلت في المتخلفين عن الخروج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك.
وأما الواقع في آخر هذه الأمة فهو ما كانت عليه الدولة السعودية في زمن الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود وزمن ابنه سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود -رحمهما الله تعالى-، فقد كانت للإسلام قوة عظيمة في زمن هذين الإمامين، وقد مكَّن الله لهذه الدولة ويسر لهم الإستيلاء على جزيرة العرب سوى بعض البلاد اليمنية، وامتدت ولايتهم من ناحية المشرق حتى تجاوزت ما يسمى الآن بدولة الإمارات، وأرهبوا كثيرا ممن حولهم من العرب وغير العرب، ولم تكن لهم في ذلك الزمان قوة اقتصادية.
ثم كانت قوة عظيمة في زمن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل -رحمه الله تعالى-، وقد مكَّن الله له بهذه القوة ويسر له الاستيلاء على جزيرة العرب سوى بعض البلاد اليمنية، ولم تكن له في زمانه الذي استولى فيه على أكثر جزيرة العرب قوة اقتصادية، وإنما حصلت له القوة الاقتصادية حين أخرج الله خزائن البترول من الأرض.
الصفحة 56
204