كتاب الصارم البتار للإجهاز على من خالف الكتاب والسنة والإجماع والآثار

فصل
وقال الفتان: "يقول الأستاذ الشيخ محمد عبده، قال ابن عطية في تفسيره المراد تشبيه المرابي في الدنيا بالمتخبط المصروع كما يقال لمن يسرع بحركات مختلفة قد جُنَّ، ثم قال أقوال: وهذا هو المتبادر ولكن ذهب جمهور المفسرين إلى خلافه وقالوا إن المراد بالقيام القيام من القبر عند البعث وأن الله -تعالى- جعل من علامة الذين يأكلون الربا يوم القيامة أنهم يبعثون كالمصروعين. ورووا ذلك عن ابن عباس وابن مسعود، وبعد أن وهَّن هذا الرأي من جهة ضعف نقله قال: أما ما قاله ابن عطية فهو ظاهر في نفسه، فإن أولئك الذين فتنهم المال واستعبدهم حتى ضريت نفوسهم بجمعه وجعلوه مقصودا لذاته وتركوا لأجل الكسب به جميع موارد الكسب الطبيعي، تخرج نفوسهم عن الاعتدال الذي عليه أكثر الناس، ويظهر ذلك في حركاتهم. وهذا هو وجه الشبه بين حركاتهم وبين تخبط الممسوس، فإن التخبط من الخبط وهو ضرب غير منتظم، وكخبط العشواء، وبهذا يمكن الجمع بين ما قاله ابن عطية وما قاله الجمهور، ويمضي الشيخ محمد عبده قائلا: ذلك أنه إذا كان ما شنع به على المرابين من خروج حركاتهم عن النظام المألوف هو أثر اضطراب نفوسهم وتغير أخلاقهم كان لابد أن يبعثوا عليه فإن المرء يبعث على ما مات عليه لأنه يموت على ما عاش عليه".
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن هذا الكلام الذي ساقه الفتان ونسبه لمحمد عبده ليس هو من كلام محمد عبده وإنما هو من كلام رشيد رضا في تفسيره المسمى (تفسير المنار) وكان ينبغي للفتان أن ينسبه لقائله، وقد كان رشيد رضا يعتمد في بعض المواضع من تفسيره على كلام أستاذه محمد عبده، وكان ينسب إليه الكلام الذي ينقله عنه فيقول قال الأستاذ الإمام كذا وكذا. وفي هذا الموضع الذي نقل منه الفتان ما نقل لم ينسبه رشيد رضا إلى محمد عبده فدلَّ على أنه من كلام رشيد رضا وليس من كلام محمد عبده، وقد حصل في نقل الفتان إسقاط لبعض الكلمات الموجودة في كلام رشيد رضا وهي كلمات قليلة ولكن حذفها يخل بالمعنى فلهذا ألحقتها في مواضعها لتستقيم العبارة.
الوجه الثاني: أن أقول: قد ذكرت في الفصل الذي قبل هذا الفصل ما ذكره ابن عطية في تفسيره عن ابن عباس وجماعة من التابعين أنهم قالوا: "معنى قوله: {لَا يَقُومُونَ} من قبورهم في البعث يوم القيامة، قال بعضهم: يجعل معه شيطان يخنقه، ...................

الصفحة 70