كتاب الصارم البتار للإجهاز على من خالف الكتاب والسنة والإجماع والآثار
فصل
وذكر الفتان أن فريقا من الفقهاء وعلى رأسهم ابن رشد وابن القيم حاولوا أن يكسروا من حدة تطرف المتشددين في الربا، فميزوا بين ربا النسيئة وجعلوه هو الربا الجلي أو الربا القطعي وهو حرام لذاته وبين ربا الفضل وجعلوه ربا خفيا أو ربا غير قطعي وهو حرام أيضا لكن لا لذاته بل لأنه ذريعة إلى ربا النسيئة فتحريمه هو إذا من باب سد الذرائع. ثم تأكد هذا الاتجاه باتجاه أكثر منه تضييقًا لمنطقة الربا فجعل كلا من ربا الفضل وربا النسيئة الواردين في الحديث الشريف محرمين لا لذاتهما بل سدا للذرائع، وربا الجاهلية هو وحده المحرم لذاته.
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن الذين قالوا بتحريم ربا الفضل وربا النسيئة في الأصناف الستة المذكورة في حديث أبي سعيد الخدري وحديث عبادة بن الصامت وغيرهما من الأحاديث التي تقدم ذكرها إنما قالوا ذلك عملا بالنصوص الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، وهؤلاء قد أحسنوا غاية الإحسان حيث أنهم قد تمسكوا بالسنة وقابلوا أقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقبول والتسليم، وليسوا بمتطرفين ولا متشددين كما قد زعم ذلك الفتان ظلما وزورا، وإنما المتطرف في لحقيقة هو الفتان الذي يحاول تحليل الربا في البنوك ولا يبالي بمخالفة الآيات والأحاديث الواردة في تحريمه وترتيب الوعيد الشديد عليه، ولا يبالي أيضا بمخالفة إجماع المسلمين على تحريم الربا وعلى أنه من الكبائر.
الوجه الثاني: أن يقال: قد تقدم في ذكر الإجماع على تحريم الربا ما جاء في جامع الترمذي بعد ذكر حديث أبي سعيد الخدري الذي جاء فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل والفضة بالفضة إلا مثلا بمثل لا يشف بعضه على بعض، ولا تبيعوا منه غائبا بناجز» قال الترمذي: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق". انتهى.
وقال ابن المنذر: "أجمع علماء الأمصار؛ مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة، وسفيان الثوري ومن وافقه من أهل العراق، والأوزاعي ومن قال بقوله من أهل الشام، والليث بن سعد ومن وافقه من أهل مصر، والشافعي وأصحابه، وأحمد وإسحاق ........
الصفحة 77
204