كتاب الصارم البتار للإجهاز على من خالف الكتاب والسنة والإجماع والآثار
هو الذي ورد تحريمه في القرآن دون غيره من ربا الفضل والنسيئة، وإنما جاءت النصوص في القرآن على وجه العموم فيدخل في عمومها ربا أهل الجاهلية وربا أهل الإسلام فضلا كان أو نسيئة، وقد تقدم بيان هذا في الجواب عن قول الفتان إن الربا الذي كان معروفًا في الجاهلية هو الذي نزل فيه القرآن فليراجع ما تقدم (¬1).
فصل
قال الفتان: الإتجاه الذي يميز ما بين ربا النسيئة الجلي وربا الفضل الربا الخفي يقول ابن رشد في بداية المجتهد: "واتفق العلماء على أن الربا يوجد في شيئين، في البيع وفيما تقرر في الذمة من بيع أو سلف أو غير ذلك. فأما الربا فيما تقرر في الذمة فهو صنفان، صنف متفق عليه وهو ربا الجاهلية الذي نهى عنه، وذلك أنهم كانوا يسلفون بالزيادة وينظِرون فكانوا يقولون أَنظِرني أزدك، وهذا هو الذي عناه الرسول -عليه الصلاة والسلام- بقوله في حجة الوداع: «ألا وإن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب» والثاني، ضع وتعجل، وهو مختلف فيه".
والجواب عن هذا من وجهين؛ أحدهما: أن يقال: قد تقدم قريبا ذكر النصوص الدالة على أن ربا الفضل في الأصناف الستة من الربا الجلي القطعي وليس من الربا الخفي، فلتراجع النصوص (¬2) ففيها أبلغ رد على اتجاه الفتان.
الوجه الثاني: أن يقال: إن الفتان قد نقل من كلام ابن رشد ما يتعلق بالربا فيما تقرر في الذمة وترك كلامه في الربا في البيع، وإنما فعل ذلك ليوهم من لا علم لهم أن ابن رشد كان من الذين يقسمون الربا إلى جلي وخفي ويقولون إن الربا الجلي هو ربا النسيئة وإن الربا الخفي هو ربا الفضل، وهذا التقسيم ليس له ذكر في كلام ابن رشد، وقد ذكرت قريبا أن ابن رشد ليس له اتجاه يخالف ما جاء في الأحاديث الصحيحة وما أجمع عليه العلماء من أن الربا صنفان نسيئة وتفاضل وأن الربا في هذين النوعين ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد قال في (بداية المجتهد) بعد الجملة التي نقلها الفتان ما نصه:
"وأما الربا في البيع فإن العلماء أجمعوا على أنه صنفان نسيئة وتفاضل إلا ما روي ...
¬__________
(¬1) ص 75 - 76.
(¬2) ص79.
الصفحة 83
204