كتاب الصارم البتار للإجهاز على من خالف الكتاب والسنة والإجماع والآثار
صريحا في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء» متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، قال الترمذي: "معنى قوله: «إلا هاء وهاء» يقول يدًا بيد"، وفي النص على أن بيع الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء دليل على اشتراط التقابض في مجلس العقد ومنع التفرق قبله ولو كان التفرق يسيرا بقدر ما يلج أحد المبايعين بيته؛ لأنهما إذا تفرقا قبل التقابض ولو كان التفرق يسيرا فإن البيع حينئذ يكون من الربا، وهو الرماء الذي كان عمر -رضي الله عنه- يخافه عليهم.
الوجه الرابع: أن يقال: إن حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قد اشتمل على جملتين: الأولى: في تحريم ربا الفضل، والثانية: في تحريم ربا النسيئة، وليس فيه ما يدل على أن تحريم ربا الفضل إنما كان لسد الذريعة إلى ربا النسيئة. فأما الجملة الأولى ففيها النهي عن بيع الورق بالورق إلا مثلا بمثل والنهي عن إشفاف بعضها على بعض، والإشفاف هو الزيادة وتفضيل أحدهما على الآخر. وأما الجملة الثانية ففيها النهي عن بيع الغائب من الذهب أو الورق بالناجز منه، والناجز هو المعجل الحاضر وفي سياق الحديث أوضح دليل على أن ربا الفضل محرم قصدًا وليس تحريمه من باب سد الذرائع.
فصل
وقال الفتان: "يترتب على التمييز بين ربا النسيئة وربا الفضل نتيجة هامة، ذلك أنه لما كان ربا النسيئة محرما لذاته تحريم المقاصد، وكان ربا الفضل محرما باعتباره وسيلة تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد؛ فإن درجة التحريم في ربا النسيئة أشد منها في ربا الفضل، ومن ثَمَّ لا يجوز ربا النسيئة إلا لضرورة ملجئة كالضرورة التي تبيح أكل الميتة والدم، أما ربا الفضل فيجوز للحاجة، ولا يخفي أن الحاجة أدنى من الضرورة، فكلما اقتضت الحاجة للتعامل بربا الفضل جاز ذلك، ومن ثم تضيق منطقة هذا الربا إذا قامت الحاجة إلى إباحته في بعض صوره بحيث يتبين في هذه الصور أنه لا يمكن اتخاذه ذريعة لربا النسيئة فينتفي سبب التحريم".
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن الفتان قد زل في هذه الجملة زلة خطيرة عليه وعلى من عمل بقوله الباطل، وذلك في زعمه أن ربا النسيئة يجوز للضرورة
الصفحة 92
204