كتاب الصارم البتار للإجهاز على من خالف الكتاب والسنة والإجماع والآثار

التاسع: أن المرابين إذا بعثوا من قبورهم فإنهم يعذبون بالجنون أو بما يشبه الجنون عقوبة لهم وتمقيتًا عند جمع المحشر. العاشر: وهو أعظمها أن المرابين يحشرون إلى نار جهنم. وكل ما ذكرته ههنا من ضرر الربا على المرابين فقد تقدم بيانه في الآيات والأحاديث الدالة على تحريم الربا وفي فوائدها فليراجع ذلك في أول الكتاب، وليتأمله المؤمن الناصح لنفسه حق التأمل، وليحذر أشد الحذر من نتيجة الفتان وهامّته فإنها من نتائج الضلال ومن الهوام التي تهلك الدين.
الوجه الثاني: أن يقال: إن التحليل والتحريم مردهما إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فما أحله الله في كتابه أو أحله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو حلال، وما حرمه الله في كتابه أو حرمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو حرام، وليس للآراء والاستنتاجات حق في التحليل والتحريم، ومن أحل شيئا أو حرمه بمجرد الرأي والاستنتاج فقد افترى على الله الكذب واستدرك على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الله -تعالى-: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
وإذا علم هذا فليعلم أيضا أن الفتان قد أقدم على تحليل ربا النسيئة للضرورة وتحليل ربا الفضل للحاجة، ولم يستند في ذلك إلى دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع، إذ لا وجود لذلك في هذه الأصول الثلاثة، وإنما استند إلى أقوال المتلاعبين بالدين وهم الذين وصفهم الشيخ أحمد شاكر بأنهم يلعبون بالقرآن ويزعمون أن الربا المحرم هو الأضعاف المضاعفة ويجيزون ما بقي من أنواع الربا، وقد تقدم كلامه وكلام الشيخ محمود شلتوت في ذمهم فليراجع ذلك في أثناء الكتاب (¬1).
فإن قال الفتان: إنه قد اعتمد في نتيجته المضلة على قول ابن القيم في تقسيم الربا إلى جلي وخفي وأن الجلي هو ربا النسيئة الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية وأن تحريم هذا النوع كان قصدا وتحريم ربا الفضل وسيلة لأنه ذريعة إلى الجلي.
فالجواب: أن يقال: إنه ليس في كلام ابن القيم ما يتعلق به الفتان في تحليل ربا النسيئة للضرورة وتحليل ربا الفضل للحاجة، وقد صرح ابن القيم بتحريم نوعي الربا إلا أنه جعل تحريم ربا الفضل من باب سد الذرائع، وقد ذكرت نصوص الأحاديث الدالة على خلاف قوله في الفصل الذي قبل هذا الفصل فليراجع ذلك (¬2).
¬__________
(¬1) ص 59 - 60.
(¬2) ص 86 - 88.

الصفحة 94