كتاب الصارم البتار للإجهاز على من خالف الكتاب والسنة والإجماع والآثار

والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن الفتان لم يؤد الأمانة فيما نقله عن السبكي، حيث أنه قد غير عبارته عما كانت عليه في (تكملة المجموع) فأفسدها بما أدخل فيها من التغيير والزيادة التي هي محض الكذب، فأما التغيير ففي قوله: "إن ابن عباس وابن مسعود وابن عمر وعبد الله بن الزبير وأسامة بن زيد وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وكثيرًا من التابعين مثل عطاء وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة وفقهاء الأمصار - أن هذه الطائفة رأت أن الربا لا يكون إلا في النسيئة، وكانوا يجيزون ربا النقد"، هكذا لفَّق الفتَّان هذه العبارة ونسبها إلى السبكي، وقد جمع فيها بين التلبيس على الجهال وبين الكذب على السبكي.
فمن تلبيسه وكذبه أنه ذكر علي سبيل الجزم عن عبد الله بن الزبير وأسامة بن زيد وزيد بن أرقم والبراء بن عازب أنهم كانوا يجيزون ربا النقد ويرون أن الربا لا يكون إلا في النسيئة، وهذا خطأ وكذب لأن السبكي لم يجزم بثبوت ذلك عن هؤلاء الأربعة، وإنما ذكره عنهم رواية بصيغة التمريض.
ومن تلبيسه وكذبه أيضا قوله: "ولف لفهم كثير من التابعين مثل عطاء وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة وفقهاء الأمصار"، وهذا خطأ وكذب؛ لأن السبكي إنما ذكر من هؤلاء عطاء بن أبي رباح وحده، ثم قال وفقهاء المكيين، فجاء الفتان الذي يهرف بما لا يعرف فزاد طاوسًا ومن بعده، وغيَّر قوله وفقهاء المكيين فقال وفقهاء الأمصار. وقد تقدم (¬1) في ذكر الإجماع على تحريم الربا ما ذكره ابن المنذر عن علماء الأمصار؛ أنهم أجمعوا على أنه لا يجوز بيع ذهب بذهب ولا فضة بفضة ولا بر ببر ولا شعير بشعير ولا تمر بتمر ولا ملح بملح متفاضلا يدا بيد ولا نسيئة وأن من فعل ذلك فقد أربى والبيع مفسوخ، قال: وروينا هذا القول عن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجماعة يكثر عددهم من التابعين. انتهى. وقد نقله السبكي في (تكملة شرح المهذب).
وقال الترمذي بعد ذكره حديث أبي سعيد الخدري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل والفضة بالفضة إلا مثلا بمثل لا يشف بعضه على بعض ولا تبيعوا منه غائبا بناجز» قال الترمذي: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم". انتهى المقصود من كلامه.
¬__________
(¬1) ص45.

الصفحة 98