كتاب الصارم البتار للإجهاز على من خالف الكتاب والسنة والإجماع والآثار

ونقل السبكي في (تكملة شرح المهذب) عن ابن عبد البر أنه قال: "لا أعلم خلافًا بين أئمة الأمصار بالحجاز والعراق وسائر الآفاق في أن الدينار لا يجوز بيعه بالدينارين ولا بأكثر منه وزنًا ولا الدرهم بالدرهمين ولا بشيء من الزيادة عليه إلا ما كان عليه أهل مكة قديما وحديثًا من إجازتهم التفاضل على ذلك إذا كان يدا بيد، أخذوا ذلك عن ابن عباس"، قال ابن عبد البر: "ولم يتابع ابن عباس على قوله في تأويله حديث أسامة أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من بعدهم من فقهاء المسلمين إلا طائفة من المكيين أخذوا ذلك عنه وعن أصحابه، وهم محجوجون بالسنة الثابتة التي هي الحجة على من خالفها وجهلها وليس أحد بحجة عليها". انتهى.
وفي كلام الترمذي وابن المنذر وابن عبد البر أبلغ رد على تلبيس الفتان وكذبه على فقهاء الأمصار وعلى السبكي.
الوجه الثاني: أن يقال: إن الفتان قد أخطأ فيما نقله من كلام السبكي حيث أنه قد اقتصر على نقل الأقوال التي يرى فيها تأييدًا لاتجاهه الباطل الذي لا يحرم إلا ربا الجاهلية، وأعرض عما ذكره السبكي من الآثار في رجوع ابن عباس وابن مسعود وابن عمر -رضي الله عنهم- عن رأيهم المخالف للسنة. وما ذكره أيضا من التوقف في صحة ما ذكر عن أسامة بن زيد وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهم- أنهم كانوا يجيزون ربا النقد ويرون أن الربا لا يكون إلا في النسيئة وما ذكره عن معاوية -رضي الله عنه- أنه غير قائل بقول ابن عباس مع شذوذ ما قال به أيضا، ولا يخفي ما في فعل الفتان من التمويه والتلبيس على الجهال.
وقد ذكرت الآثار الدالة على رجوع ابن عباس وابن مسعود -رضي الله عنهما- عن القول بجواز بيع الذهب بالذهب متفاضلا والفضة بالفضة متفاضلا إذا كان يدًا بيد، فليراجع ذلك بعد الفصل الذي ذكر فيه الإجماع على تحريم الربا (¬1).
وتقدم في الحديث السادس والثلاثين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه نهى عن ربا الفضل، وتقدم في الحديث الثالث والعشرين عنه أنه قال: «الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما» هذا عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم، وتقدم في الحديث التاسع والثلاثين عنه أنه قال: «الذهب بالذهب وزنا بوزن فمن زاد أو استزاد فقد أربى» والله ما كذب ابن عمر علي رسول لله - صلى الله عليه وسلم -.
¬__________
(¬1) 47 - 52.

الصفحة 99