كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

وهذا ونحوه وإن كان خارجا عن الأصول، إلا أنها فوائد مستطردة، فلا تنكرنها.

قوله-عز وجل-: {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) [الفاتحة: 4] هذا من مسائل اليوم الآخر؛ إذ معناه: مالك يوم الجزاء، وهو يوم القيامة، وفيه مباحث تؤخر إلى الموضع الأليق بها، إن شاء الله، عز وجل.

قوله-عز وجل-: {إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ} (5) [الفاتحة: 5] البحث في هذا يتعلق بالقدر، وهاهنا سؤال؛ وهو أن قولهم: «نعبد» يقتضي/ [15/ل] [9 أ/م] تمكنهم من فعل العبادة؛ لإضافتهم إياه إلى أنفسهم بصيغة «نفعل».
وقولهم: {وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] يقتضي عجزهم عنه بدون إعانته لهم، وذلك ينافي تمكنهم واستقلالهم به، المستفاد من قولهم: «نعبد» وهو تناقض؟ !
والجواب: أما على رأي الكسبية فالمراد: إياك نعبد كسبا، وإياك نستعين على العبادة خلقا لها منك فينا.
وأما على رأي المعتزلة فالمراد: إياك نعبد بخلقنا لأفعال العبادة، وإياك نستعين بأن تمدنا بألطافك من خلق دواعي العبادة، ونفي الصوارف عنها.
وعلى رأي المجبرة: إياك نعبد بظاهر حركاتنا، وإياك نستعين بإجبارك لنا عليها وخلقك لها فينا.

قوله-عز وجل- {اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} (6) [الفاتحة: 6].
إن قيل: إن كانوا مهتدين فسؤالهم الهداية تحصيل الحاصل، وإن كانوا غير مهتدين كان ذلك مناقضا لقولهم: {إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ} (5) [الفاتحة: 5].
والجواب: أنهم لم يسألوا أصل الهداية بل الدوام والاستمرار عليها، فهو من باب:
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اِتَّقِ اللهَ} [الأحزاب: 1] أي: دم على تقواه، و «أنا مؤمن إن شاء الله» أي:
أدوم على الإيمان إن شاء الله، عز وجل.
ثم قولهم: (اهدنا) يقتضي أن لا هادي إلا الله-عز وجل-، ويحتج بها على القدرية، وهي قوية عليهم، وهم يجيبون عنها بأن المراد: أعنا على أن نهدي أنفسنا بإمدادك لنا باللطف، وهو أمر من أمر الله-عز وجل-إذا فعله بالعبد كان أقرب إلى الهدى، وإذا منعه إياه كان أقرب إلى الضلال.
أما حقيقة الهدى والضلال فالعبد يفعلهما لنفسه عندهم، وتأويلهم للآية بعيد؛ فهي

الصفحة 33