فإن قيل: إذا جاز أن يكون نص موسى المؤبد مؤقتا حتى جاز نسخ شريعته، جاز أن يكون نص محمد صلّى الله عليه وسلّم على تأبيد شريعته مؤقتا؛ فيجوز نسخها بعده بغيره، والمسلمون يأبون ذلك.
قلنا: لا يلزم ذلك، والفرق بين النصين أن موسى عليه السّلام-ورد كتابه التوراة بنصوص بلفظ التأييد، والمراد بها/ [18 ب/م] التوقيت بخلاف محمد صلّى الله عليه وسلّم فإن كتابه لم يرد بذلك، فلم يرد مثله في نصه، وقد استقصيت هذه المسألة بأبلغ من هذا في «مختصر الجدل».
المسألة الثانية: احتج بالآية من يرى أن النسخ يجب أن يكون إلى بدل؛ لقوله-عز وجل-: {*ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (106) [البقرة: 106] وأجيب بأن الذي هو خير منها لا يتعين أن يكون بدلا عنها، أو يكون المعنى: نأت منها [بخير أو بخير منها] غالبا لا لزوما، وقد ورد نسخ الصدقة أمام النجوى لا إلى بدل، فانتقضت به دعوى هذا القائل.
ويجوز نسخ الحكم إلى مثله وأخف منه وأثقل عند الأكثرين، كنسخ التخيير بين الصوم والفدية إلى تعيين صومه، ومنعه قوم محتجين بهذه الآية: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها} والأثقل ليس بخير، ولا مماثل: وأجيب بأنه قد يكون خيرا أو مثلا في المصلحة والأجر.
قوله-عز وجل-: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} (107) [البقرة: 107].
عام لم يخص بشيء، وكذا تمامها {وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} (107) [البقرة: 107] وكذا {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ} (108) [البقرة: 108].