كتاب إعراب القراءات السبع وعللها ط العلمية

ومن سورة العلق
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه: خمسُ آياتٍ من أول هَذِهِ السُّورة أول ما أُنزل من القرآن، وآخر ما نَزَلَ من القُرآن: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ}. {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} جزمٌ بالأمر، والسُّكونُ علامة الجزم وسكون الهمزةَ {باسم ربك} يا مُحَمَّد الواحد {الَّذِي خَلَقَ} يعني الْإِنْسَان، خلقه من عَلَقٍ، وهي النُّطفة تكون عشرين ليلة، ثُمَّ تكون علقة هَذَا قول.
وقال آخرون: النُّطفة تَصير فِيْ البدن أربعين ليلةً، ثُمَّ تصير علقة، وجمعها عَلَقَ، وهو الدّم، ثُمَّ أربعين مُضْغَةً. وَقَدْ ذكرتُ فِيْ أول قَدْ أَفْلَحَ.
فإن قيل لَكَ: لِمَ قيل فِيْ هَذِهِ السُّورة «من عَلَقٍ» وقيل هناك «العَلَقَةَ»؟
فقل: نزلت الهاء من آخر هذه لتوافق رءوس الآي «باسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ».
وقولُه تَعَالى: {أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}.
فِيهِ أربعُ قراءات:
قَرَأَ حمزة والكسائي وأبو بكر، عن عاصم وابن عامرٍ برواية ابْنُ ذكوان بالخلف «أنْ رِآهُ استَغْنَى» بكسر الراء.
وقرأ أَبُو عَمْرو برواية الدُّوري بفتح الراء وكسر الهمزة.
وقرأ الباقون: «أَنْ رَآهُ» بالفتح، والأصل: رأيه عَلَى وزن رعيه، فصارت الياء التي هِيَ لام الفعل ألفًا؛ لانفتاح ما قبلها، فصارت «أن رآهُ استَغْنى» عَلَى وزن رعاه.
والقراءةُ الرابعةُ: قراءةُ ابنِ كثيرٍ فِيْ روايةِ قُنبل: «أنْ رَّأه» عَلَى وزن رَعَهُ.
قَالَ ابنُ مجاهدٍ: هُوَ غلطٌ‍؛ لأنَّه حذف لام الفعل التي كانت ألفًا مبدلةٌ من الياء، ويجوز أن الَّذِي سَمِعَ ابْنُ كَثِيْر يقرأ هَذَا الحرف لم يضبط‍ عَنْهُ، ولا ترجم عَنْهُ باستواء، وكانت قراءته: «أَنْ رَاءَهُ استَغْنَى» بتقديم الَألِف عَلَى الهَمْزَةِ ثُمَّ يخفف الهمزة ويحذفها لالتقاء الساكنين. وهذه لغةٌ مشهورةٌ، تَقُولُ العرب: راءني وشاءني، وأنشد:
وَكُلُّ خَلِيْلٍ راءَني فهو قائِلٌ ... مِنَ أجلِكَ هَذَا هامةُ اليومِ أَو غَدِ
وقال آخر:
وسهو الفؤاد حتى كأن ... شاربٌ عُلَّ مِنْ رَحِيْقِ مُدَاْمِ

الصفحة 531