كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

به، فلولا أن عليا أشجع من خالد لما قدمه عليه، والأشجع من الأشجع أشجع بالضرورة، فإن قال قائل: إن الشجاعة ليست بقوة البدن الظاهرة، وإنما هي بقوة القلب الباطنة، فرب شيخ ضعيف نحيف أشجع من شاب قوي جليد.
قلنا: فدعونا من هذا، فقد أجمعت العرب وأهل الأدب على أن أشجع بيت قيل قول عباس بن مرداس:
أكر على الكتيبة لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سواها
ولا خلاف أن عليا كان أقوم بهذه الصفة، وأقدم على الحروب من أبي بكر، قالوا:
ولو أبطلتم لنا كل حجة على ذلك قلنا حجة تضطرون إلى تسليمها ولا تستطيعون إبطالها، وهي أن الأصوليين إذا أرادوا إثبات الإجماع بقوله عليه الصلاة والسّلام: «أمتي لا تجتمع على ضلالة» (١)، وحاولوا إثبات تواتر هذا الخبر. قالوا: تواتر تواترا معنويا حتى صار كشجاعة علي، وسخاء حاتم، فلا تراهم يضربون المثل إلا بشجاعة علي، ولو كان أبو بكر أشجع لكان أولى بضرب المثل بشجاعته، وأيضا فإنهم قرنوا شجاعة علي بسخاء حاتم، ثم لما كان حاتم أجود العرب، وجب أن يكون قرينه في ضرب المثل أشجع العرب، فهذا مما لا جواب عنه ولا خلاص منه.
قالوا: فثبت أن الصفات التي احتج بها نبي بني إسرائيل عليهم في تقديم طالوت مختصة بعليّ دون أبي بكر، فوجب أن يكون عليّ أولى بالتقديم من أبي بكر كما/ [٦١/ل] كان طالوت أولى بالتقديم على بني إسرائيل.
وقد ورد الأثر بأن عليا طالوت هذه الأمة، وهو إشارة إلى ما قررناه من كونه واجب التقديم عليها كما وجب تقديم طالوت.
هذا ما قررت به الشيعة إمامة عليّ من هذه الآية ومناقضته على التفصيل يطول، وربما تعذر في البعض، وإنما/ [٣٠ أ/م] أجاب الجمهور عنه بانعقاد الإجماع بموافقة عليّ على

الصفحة 102