كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

والثاني: كمن مشى إليه حتى وقف على ساحله وعاينه.
والثالث: كمن خاض فيه، واغتسل وشرب منه، وإذا عرفت هذا فإيمان إبراهيم عليه السّلام بالقدرة على إحياء الموتى قبل أن يراه كان عن علم يقين نظري، فأراد أن يطمئن قلبه بالإيمان بذلك عن عين اليقين، فلذلك قيل له: خذ أربعة من الطير إلى آخره، أي:
باشر هذا الأمر ليحصل لك عين اليقين عيانا وحق اليقين مباشرة.
وفي الحديث: «ليس الخبر كالعيان» إن موسى بلغه أن قومه قد فتنوا فلم يتغير فلما رآهم عاكفين على العجل أخذ برأس أخيه يجره إليه، وفي هذا المعنى قيل:
ولكن للعيان لطيف معنى ... له سأل المعاينة الكليم
وحينئذ يكون معنى الكلام: بل آمنت عن/ [٦٧/ل] نظر واستدلال، ولكن أريد طمأنينة القلب بنظر العيان، وهذه أيضا دليل على إمكان البعث.

{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ} (٢٦١) [البقرة: ٢٦١]، هذا عام مطرد، أما المرائي فليس منفقا في سبيل الله، فلذلك لم ينتفع بإنفاقه، غير أن في هذه الآية إطلاقا قيد في الآية بعد بقوله-عز وجل-: {ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً} [البقرة: ٢٦٢] فصارت/ [٣٢ ب/م] مضاعفة الصدقة إلى سبعمائة ضعف مشروطة بعد المن والأذى، وصار تقدير الآية: مثل الذين ينفقون أموالهم [في سبيل الله ثم] لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى، {لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى} [البقرة: ٢٦٤] عام في بطلان الصدقات بذلك والمن تذكير النعمة، والأذى إلحاق ضرر بالسائل دون أخذها كانتهاره، وزجره وتقريعه ونحو ذلك.

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ} (٢٦٤) [البقرة: ٢٦٤] عام مطرد؛ إذ أعمال الكفار والمرائين هباءا منثورا.

الصفحة 110