كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

أما الملائكة، فعام مطرد، وأما أولو العلم فعام أريد به الخاص، وهم علماء الأصول؛ لأنهم هم الذين يعرفون التوحيد ويثبتونه بالبرهان، وكذلك هم الذين يعرفون حقيقة دين الإسلام من بين الأديان بالدليل وغيرهم إنما يعرفون ذلك تقليدا لهم، ولأن الشهادة إنما تعتبر وتصح ممن تحقق المشهود عليه، والمحقق لهذين المطلوبين أعني التوحيد وحقيقة الإسلام هم علماء أصول الدين؛ فكانوا هم المراد بأولي العلم هاهنا، وهذه منقبة شريفة لهؤلاء القوم وعلمهم، فليعلم ذلك إن شاء الله عز وجل.

{فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اِتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اِهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ} (٢٠) [آل عمران: ٢٠] ليس في هذا حجة لمن قال بالتقليد حيث قابل المحاجة بالتسليم؛ لأن إنما أمر بذلك وفعله حيث علم أنه على حق من أمره وإياس من إجابة خصمه، وأن محاجته عناد محض ومدافعة عن الحق صرف، وكيف يؤمر بالتقليد وينهى عن المناظرة في الحق من كتابه المنزل عليه مشحون بالحجج والبراهين والأدلة النظرية.
ومن قيل له في كتابه: {اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (١٢٥) [النحل: ١٢٥] نعم يستدل بالآية على أن من علم الحق في جانبه وأنس المعاندة من خصمه، وأنس منه أن يترك مناظرته ويعرض عنه {أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} (٦٣) [النساء: ٦٣].
{فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اِهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ} (٢٠) [آل عمران: ٢٠] هذه قسمة حاضرة، مساوية لقوله عز وجل: {وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ} (١٠٧) [الأنبياء: ١٠٧].
{تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً} (١) [الفرقان: ١] {وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (٢٨) [سبأ: ٢٨].
{قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ}

الصفحة 123