كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

مثلا إظهار الكفر، حفظا لنفسه [مع قيام] المانع من الكفر كما يستبيح [المترض] (١) مع قيام المانع منه.
الوجه الثاني: أن في التقية جمعا بين مصلحتين: دفع الضرر مع استبقاء المعتقد، وهو أولى من تضييع إحداهما.
هذا أقصى ما علمناه للشيعة من دليل التقية، ثم أجابوا عن حجة الجمهور بأن قالوا:
قولكم: التقية نفاق، قلنا: لا نسلم، بل هي رخصة كما سبق بيانه، ولو سلمنا أنها نفاق، لكن قولكم: النفاق حرام قضية مهملة، فإن أخذتموها على إهمالها كانت جزئية، وقياسكم المذكور شرط إنتاجه كلية كبراه فلا تنتج إذن، وإن أخذتموها كلية هكذا: التقية نفاق، وكل نفاق حرام، منعنا كليتها، ومستند المنع أن النفاق له مسميان: / [٧٩/ل] لغوي، وهو: إبطان أمر ما، وإظهار خلافه خشية الضرر، وشرعي وهو: إبطان الكفر أو البدعة، وإظهار الإيمان أو السّنّة خشية الضرر. والأول أعم من الثاني، والذي نسلم تحريمه إنما هو الثاني، هو النفاق بحسب مسماه الشرعي، أما اللغوي فلا نسلم تحريمه، فتعود كبرى قياسكم جزئية فلا تنتج.
والتقية التي ندعي جوازها إن سلمنا كونها نفاقا، فإنما هي نفاق لغوي لا شرعي؛ إذ دعوى كونها نفاقا شرعيا مسألة أخرى تخرجنا عن الكلام في مسألة التقية بالكلية، إذ يبقى النزاع في أن ما أخفاه المتقي هو بدعة أولا، وذلك بلا/ [٣٨/أ/م] شك مسألة أخرى.
وأما قولكم: لو جازت التقية لجاز إظهار الكفر من الأنبياء تقية، وهو باطل.
قلنا: لا نسلم بطلان الجواز أعني جواز إظهار الكفر منهم تقية، وإنما الباطل هو وقوع الكفر منهم، وهو غير لازم؛ لأن الله-عز وجل-يعصمهم منه مع جوازه عليهم كسائر المعاصي التي عصموا منها، ولولا جواز ذلك عليهم لم تظهر فائدة عصمتهم منه.
قالت الشيعة: فقد تبين بطلان شبهتكم في إبطال التقية، ووضح برهاننا على صحتها وجوازها، وأنها من دين الله-عز وجل-ورسله، وأولى العلم.
وإنما نازعتمونا في أصل التقية؛ لأجل فرع من فروعها، وجزء من جزئياتها، وهو أن بيعة علي لأبي بكر كانت تقية، فطردتم المنع [في الأصل] الكلي لأجل المعنى الجزئي، كما منعت اليهود أصل النسخ، لئلا تلزمهم نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم والمسيح-عليه السّلام-ونحن

الصفحة 129