كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

نقيلكم من ذلك، ولا نبني بيعته على [تقية علي] جواز التقية بل نحن نثبتها عليكم بحديث الزهري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وقد سبق ذكره، فإنه نص في أنه إنما بايع ضارعا أي: مقهورا مغلوبا لانصراف وجوه الناس عنه عند موت فاطمة.
وحينئذ لا يبقى لمنعكم جواز التقية من حيث هي تقية معنى، مع وضوح برهانها، والله -عز وجل-أعلم [بالصواب].

{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ} (٣٠) [آل عمران: ٣٠] اختلف فيه، فذهب قوم إلى إثبات النفس لله-عز وجل-على ما يليق به، وجعلوه من آيات الصفات، وتأوله آخرون على الذات، أي: يحذركم الله ذاته، وكذا القول في:
{وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ} (١١٦) [المائدة: ١١٦].

{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ} (٣٠) [آل عمران: ٣٠]، عام مطرد في الخير والشر، يلقى كل أحد ما عمل منهما {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٣١) [آل عمران: ٣١] يحتج به على وجوب متابعة النبي صلّى الله عليه وسلّم قولا وفعلا، وأنهما منه للوجوب، لأنه جعل متابعته لازما لمحبة الله-عز وجل-لأنا/ [٨٠/ل] نفرضها مقدمة استثنائية هكذا: لو أحب زيد الله لاتبع رسوله، فقد وقع اتباع الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيها تاليا، وهو اللازم ومحبة الله-عز وجل-[لازمة] واجبة، ولازم الواجب واجب، فاتباع النبي صلّى الله عليه وسلّم واجب، ثم اتباعه تارة يكون بامتثال أمره واجتناب نهيه، وتارة بموافقته في فعل مثل فعله، وترك مثل ما ترك لأجل أنه فعل وترك، وذلك يقتضي أن أمره وفعله يقتضيان الوجوب، وفيهما خلاف وتفصيل.

الصفحة 130