كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

أمره، فأمره واجب الامتثال، لكن في هذا دور، إذ هو بناء لكن الأمر للوجوب على نفسه إذ صار تقديره امتثال أمره واجب، لأن الأمر للوجوب، فإن الله لا يحب الكافرين، دليل خطابه أنه يحب المؤمنين، ويؤكد هذا قوله-عز وجل- {إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (٦٨) [آل عمران: ٦٨] {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} (٢٥٧) [البقرة: ٢٥٧] ولا يتولى إلا من يحبه، وحينئذ يستفاد من الآية أن عاقبة المؤمنين الرحمة والسلامة من الخلود في النار، لأن كل مؤمن محبوب لله-عز وجل- مرحوم، سواء سلم من العذاب بالكلية أو عذب مدة ثم يرحم.

{* إِنَّ اللهَ اِصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ} (٣٣) [آل عمران: ٣٣]، يحتج به من يقول: إن آدم-عليه السّلام-كان رسولا أخذا من لفظ (اصطفى) واقترانه بجماعة من المرسلين وليس بنص فيه، وفي المسألة خلاف، وهي من مسائل النبوات.
{*إِنَّ اللهَ اِصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ} (٣٣) [آل عمران: ٣٣]، أي على عالمي زمانهم، أو على من عدا محمد صلّى الله عليه وسلّم.

{فَلَمّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ} (٣٦) [آل عمران: ٣٦] عام في ذرية مريم، وهم المسيح [وأخوته من يوسف النجار] فيما قيل. وقد صح في البخاري أن عمار بن ياسر كان محفوظا من الشيطان على لسان محمد صلّى الله عليه وسلّم (١) فلعله كان ينزع إلى هذه الذرية من جهة بعض أمهاته، أو بسبب ما كالرضاع ونحوه.

{كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً} [آل عمران: ٣٧] يحتج بها الجمهور على ثبوت كرامات الأولياء، خلافا للمعتزلة في إنكارها، وإنما يصح الاستدلال المذكور على القول بأن مريم لم تكن نبية، أما إن قيل: إنها كانت نبية فلا حجة

الصفحة 131