كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

واحتمل تفضيل فاطمة على الجميع لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة» (١) «فاطمة بضعة مني» وبضعة النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يعدل بها شيء، وهو أظهر الاحتمالات إن شاء الله عز وجل.

{يا مَرْيَمُ اُقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاُسْجُدِي وَاِرْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ} (٤٣) [آل عمران: ٤٣] يحتج به من يرى أن الواو لا تقتضي الترتيب لتقديمه السجود على الركوع.
وأجيب بأن في شرعهم كان ترتيب الصلاة هكذا، فقد أفادت الترتيب في ذلك الشرع، والأظهر أنها للجمع المطلق، لا للترتيب، فإذا قلنا: قام زيد وعمرو، احتمل قيامها معا، ومتعاقبين، ومع التراخي، وكون زيد قام قبل عمرو وبالعكس.
وسنذكر المسألة غير هاهنا إن شاء الله عز وجل.

{ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} (٤٤) ([٨٢/ل]) [آل عمران: ٤٤] هي حجة على صحة نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم وتقريرها: أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم قد أخبر بغيب لم يحضره، ولم يخبره به مخبر سوى الله-عز وجل-، وكل من أخبر بغيب كذلك فهو نبي صادق؛ فمحمد صلّى الله عليه وسلّم نبي صادق، أما الأولى فلأنه أخبرهم بما كان من أمر زكريا-عليه السّلام- ومريم، ولم يحضره قطعا، ولم يخبره سوى الله عز وجل؛ إذ لم يكن كاتبا، ولا مؤرخا، ولا خالط أحدا ممن هو كذلك حتى يخبره.
وأما الثانية: فلأن من كان كذلك يعلم قطعا أنه علم ذلك الغيب بوحي، وكل من أوحي [إليه] الوحي الحقيقي فهو نبي، ويستفاد من هذا أن واصف اللقطة إذا أصاب صفتها يجب دفعها إليه؛ لأنه إذا وصفها والتقدير أنه لم يحضر عند التقاطها ولا أخبره بها الملتقط ولا غيره دل على أنه صاحبها لانحصار القسمة في ذلك.

قوله-عز وجل-في صفة عيسى: {إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اِسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} (٤٥) [آل عمران: ٤٥] اعلم أنا قد نهينا عن التفضيل بين الأنبياء، لكن/ [٣٩ ب/م] قد بلغنا عن بعض الناس أنه يفضل موسى على عيسى، فخالف النص وأخطأ الصواب، وغرضنا الرد

الصفحة 133