كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

(/ [٤٠ ب/م] {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (٣٣) [التوبة: ٣٣].

{فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ} (٥٦) [آل عمران: ٥٦]، الآيتين، عام مطرد بشرط الموافاة على الكفر والإيمان.

{إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (٥٩) [آل عمران: ٥٩].
هذا جواب عن شبهة احتج بها النصارى على إلهية المسيح، وصورة الشبهة أن المسيح آية في نفسه؛ لوجوده على خلاف مطرد العادة من غير أب، ولك من كان كذلك فهو إله.
وتقرير الجواب: لا نسلم المقدمة الثانية إذ هي باطلة بآدم، قيل له: «كن» فكان، لا من أب ولا أم، ثم ليس هو إلها، ولو كان ما زعمتم يقتضي الإلهية، لكان آدم أحق بها؛ لأنه أغرب وأعجب وأقعد في خرق العادة، ثم إن بعض النصارى يفرق بين آدم وعيسى بأنه مولود خرج من الرحم/ [٨٥/ل] بخلاف آدم.
والجواب أن هذا الفرق لا أثر له بل هو مقرر لضعف دعواكم؛ لأن كونه مولودا يقرر له حكم البشرية والإنسانية، وذلك ينافي الإلهية.

{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ} (٦١)
[آل عمران: ٦١] فيها بحثان مع النصارى والشيعة، فإن نصارى نجران وفدوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم ليجادلوه في إلهية المسيح، ورئيسهم يومئذ العاقب والسيد وعبد المسيح، فقالوا:
يا محمد، هل تعلم بشرا يولد من غير أب، فإن لم يكن المسيح إلها فمن أبواه؟ فقال لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم: «هل تعلمون ولدا إلا من جنس أبيه؟ » قالوا: لا، قال: «فإن كان المسيح ابن الله كما زعمتم، وجب أن يكون أبوه مثله، وهو مثله» فأفحمهم، ثم إنهم عاندوا وطلبوا المحاجة بعد هذا الانقطاع، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم عليا والحسن والحسين وفاطمة خلفهم حتى جاء للموعد، فلما رآه النصارى ومن معه عرفوا الحق، وقال بعضهم لبعض: إنا لنرى وجوها إن دعوا علينا أضرم علينا الوادي نارا فاحترقنا؛ أو أسلموا معه ولا تباهلوه، فقالوا: أما

الصفحة 137