كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

هكذا ترتيبهم في الحقيقة فقد يحتج به من يرى الواو للترتيب، ولا حجة فيه لأن هذا ترتيب اتفاقي لا اقتضائي.

{أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: ٧٨] هو من باب: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} (١٥٤) [آل عمران: ١٥٤] وقد سبق القول فيها، وإدراك الموت لهم، إما بدخوله عليهم غير مانع أو بخروجهم إليه بما يخلق في نفوسهم من دواعي الخروج والصوارف عن القعود.
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} (٧٨)
[النساء: ٧٨] يعني السيئة والحسنة وهما المكروه والمحبوب والجدب والخصب، ويتناول بعمومه الطاعة والمعصية لأنهما حسنة وسيئة ويحتج به الجمهور على أن الله-عز وجل- خالق المعاصي والشرور حتى جعل من خالف ذلك لا يكاد يفقه بما ذكر في تمام الآية.
وعارضت المعتزلة بقوله-عز وجل- {ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً} (٧٩) [النساء: ٧٩] وأجيب بأن معناه فبكسبك جزاء على فعلك نحو {وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ اِلْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} (١٦٦) [آل عمران: ١٦٦] مع قوله-عز وجل-: {أَوَلَمّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (١٦٥) [آل عمران: ١٦٥]. وقيل: معناه فمن نفسك على جهة الإنكار أي ليست السيئة التي تصيبك من نفسك فتنفق مع التي قبلها، وحذف همزة الاستفهام إذا دل عليه دليل جائز نحو:
{وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ} (٣٤) [الأنبياء: ٣٤] أي: أفهم الخالدون.
{ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}

الصفحة 170