كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

(٧٩) [النساء: ٧٩] فيه عموم الدعوة إلى عموم الناس نحو {وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (٢٨) [سبأ: ٢٨].
{قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاِتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (١٥٨) [الأعراف: ١٥٨]
{وَأَرْسَلْناكَ لِلنّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً} (٧٩) [النساء: ٧٩] أي على رسالتك يشهد لك بإظهار المعجزات على صدقك، إذ المعجز في قوة قول الله عز وجل. صدق عبدي في أنه رسولي، وهاتان من مسائل النبوات، والثانية مقررة للأولى؛ لأنه إنما [بينت عموم دعوته بإخباره وما ورد على لسانه، وخبره إنما يقبل إذا ثبت صدقه، وصدقه إنما] ثبت بالمعجز، فإذن نظم الدليل هكذا: محمد صلّى الله عليه وسلّم أتى بالمعجز وكل من أتى بالمعجز فهو صاد [ق: وكل [٥١ أ/م] صادق يجب قبول خبره [فمحمد صلّى الله عليه وسلّم يجب قبول خبره]، وقد أخبر بعموم دعوته فيجب قبول خبره بعموم دعوته وهو المطلوب.

{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} (٨٠) [النساء: ٨٠] هذه وأمثالها نحو {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّى حِينٍ} (١٧٤) [الصافات: ١٧٤] وأشباهه يحتمل أنه إشارة إلى الوعيد لهم فيكون محكما، ويحتمل أنه على ظاهره في التولي والإعراض عن قتالهم فيكون منسوخا بآية السيف، وهذه كالقاعدة الكلية في هذا الضرب/ [١٠٨/ل] والأشبه أنها وعيد فلا نسخ وأيضا الأصل عدمه (فأعرض عنهم) من هذا الباب.

{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلافاً كَثِيراً} (٨٢) [النساء: ٨٢] هذا قياس استثنائي، يستثنى منه نقيض التالي، فينتج عين المقدم هكذا، لكن لا يجدون فيه اختلافا فليس هو من عند غير الله [فهو إذن من عند الله] عز وجل.
وهذا القياس يلزمه لو لم يكن من عند الله لما اتفق لكن اتفق فهو من عند الله، والمراد بالاختلاف التناقض المحض بشروطه، وهو ليس موجودا في القرآن كما بيناه في كتاب «دفع التعارض عما يوهم التناقض» لا مطلق الاختلاف؛ لأنه موجود كثيرا في القرآن لكن ذلك لا يقدح؛ فإن قيل: لم قلتم: إنه لو كان من عند غير الله لزمه الاختلاف وظاهر أنه ليس كذلك؟ فإن كثيرا من الكتب المصنفة هي من عند غير الله-عز وجل-ولا

الصفحة 171