كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

عمدة الجمهور في أن الإجماع حجة (١) وتقريره أن الله-عز وجل-توعد على اتباع غير سبيل المؤمنين؛ فدل على تحريمه ويلزم منه وجوب اتباع سبيل المؤمنين وهو الإجماع، أو نقول: اتباع غير سبيل المؤمنين متوعد عليه، وكل متوعد عليه حرام، فاتباع غير سبيل المؤمنين حرام، وسبيل المؤمنين هو الإجماع، فاتباع غير الإجماع حرام، فاتباع الإجماع واجب، واعترض عليه بوجوه: الأول: أن قولكم: توعد على اتباع غير سبيل المؤمنين، تريدون أنه توعد عليه وحده أو مع غيره؟ الأول ممنوع، والثاني مسلم، لكنه حينئذ لا يدل على تحريمه؛ لجواز أن يكون التحريم إنما هو للجموع المركب من اتباع غير سبيل المؤمنين ذلك الغير، وهو مشاقة الرسول هاهنا، فلا يكون اتباع غير سبيل المؤمنين بمفرده حراما.
الوجه الثاني: سلمنا أن التوعد عليه بمفرده، وأن ذلك يدل على تحريمه لكن لم قلتم: إنه يلزم منه حينئذ وجوب اتباع سبيل المؤمنين؟ وظاهر أنه ليس كذلك لاحتمال الواسطة بين سبيل المؤمنين وسبيل غيرهم. وهو الوقف بين طريقين لا طريق هؤلاء، ولا طريق هؤلاء، بل بينهما وسطاء، إما على [جهة الجواز] والإباحة التي لا رجحان لأحد طرفيها، أو على جهة الوقف والتردد في مهلة النظر وبتقدير هذه الواسطة [لا يلزم اتباع سبيل المؤمنين، وفي هذا الوجه نظر؛ لأن هذه الواسطة] إنما تصور لو قيل: «ويتبع سبيل غير المؤمنين» أما إذا قيل: ويتبع غير سبيل المؤمنين فتندرج الواسطة المذكورة تحت هذا القسم الممنوع فلا يبقى متعينا إلا اتباع سبيل المؤمنين.
الوجه الثالث: لم قلتم: إن/ [٥٤ أ/م] سبيل المؤمنين/ [١١٤/ل] هو الإجماع ولا بد، بل جاز أن يكون سبيل المؤمنين هو اتباع الرسول صلّى الله عليه وسلّم وترك مشاقته المتوعد عليها، حتى كأنه قيل: ومن يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين في متابعته وترك شقاقه، وحينئذ يكون الوعيد على الكفر وترك الإيمان لا على ترك الإجماع.
وجاز أن يكون سبيل المؤمنين هو ما صاروا به مؤمنين وهو الإيمان حتى كأنه قيل:
ويتبع غير سبيل المؤمنين، وهو الإيمان، وهذا متجه جدا؛ لأنه يصير من باب اقتران الحكم بالوصف المناسب لاشتقاق المؤمنين من الإيمان، وجاز أن يكون سبيل المؤمنين هو ما سبق في الآية قبلها، وهو الأمر بالصدقة والمعروف والإصلاح، حتى كأنه قيل: ويتبع غير سبيل المؤمنين في الأمر بهذه الخصال.

الصفحة 180