كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

وإذا احتمل سبيل المؤمنين هذه المعاني امتنع تعينه للإجماع، أو نقول حينئذ: تبقى الآية فيه ظاهرا لا قاطعا، ثم يلزم المحال من وجهين: أحدهما إثبات القاعدة القاطعة بالظاهر المحتمل، وهو إثبات الأقوى بالأضعف، وهو باطل.
والثاني: أن الظاهر إنما عمل به بالإجماع، فلو أثبت الإجماع بالظاهر لزم الدور، وأنه محال لاستناد الإجماع إلى نفسه بواسطة العمل بالظاهر.
الوجه الرابع: قوله في الطريقة الثانية: اتباع غير سبيل المؤمنين متوعد عليه [يتوجه عليه] أسئلة:
أحدها: الوجه الأول على الطريقة الأولى.
الثاني: أن غير لا يتعرف بالإضافة، وحينئذ يبقى تقدير الكلام: ويتبع غير سبيل المؤمنين أي ويتبع مغايرا لسبيل المؤمنين وحينئذ يكون هذا مطلقا في غير سبيل المؤمنين، لا عاما في كل ما غاير سبيل المؤمنين وإذا كان الأمر كذلك احتمل [أن يكون السبيل المتوعد عليه المغاير لسبيل المؤمنين سبيلا معهودا هو سبيل] الكفر.
ويحصل بذلك الوفاء بوظيفة اللفظ المطلق فلا يبقى اللفظ واجب التناول للإجماع.
ويجاب عن هذا بأن غير إذا تعين ما أضيفت إليه، تعرفت نحو هذا الحق غير الباطل، وهاهنا قد تعين ما أضيفت إليه وهو سبيل المؤمنين [فتعرفت به].
الثالث: أن اللام في المؤمنين يحتمل أنها للعموم، فيقرب ما قلتم، ويحتمل أنها لبعض معهود منهم، فيبقى تقديره: ويتبع غير سبيل قوم مخصوصين من المؤمنين؛ فلا يكون المراد / [١١٥/ل] به الإجماع، ثم نقول: ما ذكرتم من الدليل لو دل على أن الإجماع حجة لكان عندنا ما/ [٥٤ ب/م] يعارضه، وذلك من وجوه:
أحدها: أن ابن عباس خالف عثمان في حجب الأم باثنين من الإخوة والأخوات؛ وقال: ليس الأخوان إخوة في لسان قومك. فاحتج عليه عثمان بالإجماع قبله، وفي عصره على ذلك؛ فلم يرجع ابن عباس إليه واستمر ابن عباس على خلافه، ولم ينكر عليه عثمان ولا أخذ على يده ورده إلى إجماع الناس؛ ولو كان الإجماع حجة لما استمر ابن عباس على خلافه، ولا أقره عثمان على ذلك. وأيضا فأحد الأمرين لازم، إما أن ما احتج به عثمان ليس بإجماع مع أنه إجماع الشيخين في عصرهما فغيره في عصرهما فغيره في الأعصار بعد ذلك أولى أن لا يكون إجماعا، أو أن ابن عباس خالف الإجماع، وأقره عثمان على ذلك.
الوجه الثاني: أن ابن مسعود كان لا يجوز لمن عدم الماء أن يتيمم كما ثبت في البخاري في مناظرته أبا موسى على ذلك، وهذا منه مخالف للنصّ والإجماع؛ فإن كان ابن مسعود

الصفحة 181