كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

أما اليهود فادعوه على جهة التشفي بالمسيح حيث بدل دين التوراة، وأحل السبت ونحو ذلك.
وأما النصارى فادعوه على جهة المرتبة للمسيح والتشنيع على اليهود بقتل داع إلى الحق، واحتجوا بأن التواتر ثابت بين اليهود والنصارى والمجوس على قتل المسيح وصلبه قبل ظهور ملة الإسلام، وهو سبب العداوة بين اليهود والنصارى، وبأن قتل المسيح ثابت في الإنجيل المتواتر، وكل ما ثبت في الإنجيل المتواتر فهو حق ثابت في نفس الأمر.
أما أنه ثابت في الإنجيل فمشاهد بالعيان لمن نظر فيه. وأما أن الإنجيل متواتر فلإطباق النصارى عليه في شرق الأرض وغربها كإطباق المسلمين على القرآن، وأما أن ما ثبت في المتواتر فهو حق؛ فلأن التواتر يفيد العلم قطعا، وأيضا فلأن الإنجيل معصوم، وما ثبت في الكتاب المعصوم فهو حق.
احتج المسلمون بوجهين: أحدهما: أن نفي قتل المسيح ثابت في القرآن المعصوم، وكل ما ثبت في القرآن المعصوم فهو حق معصوم؛ فنفي قتل المسيح حق معصوم، أما أن نفي قتله ثابت في القرآن، فلهذه الآية {الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اِتِّباعَ الظَّنِّ} [النساء: ١٥٧] وأما أن القرآن معصوم فلقيام البرهان على أنه كلام الله-عز وجل-وكلام الله-عز وجل-معصوم.
وأما أن ما ثبت في المعصوم معصوم؛ فلأنه جزء من المعصوم، وجزء المعصوم معصوم، فثبت بذلك نفي قتل المسيح، فلو ثبت قتله مع ذلك لاجتمع النقيضان، وأنه محال. / [٥٦ أ/م] الوجه الثاني: أن قتل المسيح لو ثبت لتواتر قتله، كتواتر مولده، ودعواه التي ادعاها، واللازم باطل فالملزوم كذلك.
بيان الملازمة أن قتل المسيح بعد ظهور أمره وانتشار دعوته، وظهور الخوارق على يده أمر شنيع جدا في العقول والطباع، كما أن ولادته من غير أب أمر غريب في العادات والعقول، فلو كان لقتله أصل لوجب اشتهاره اشتهارا مساويا لولادته، ولو اشتهر كذلك لتواتر كتواتره لقضاء العادات بتواتر المشهورات.
بيان انتفائه اللازم أنه لو تواتر قتله كتواتر مولده لما اختلف فيه كما لم/ [١٢٠/ل] يختلف في مولده، لكن رأينا الخلاف وقع في قتله، ولم يقع في مولده ودعوته، فدل على أن قتله لم يتواتر، وإلا لكان أحد المتواترين المتساويين في القوة مختلفا فيه دون الآخر، وأنه محال.
وحاصل هذا الدليل أن تواتر قتله لازم [لقتله، واللازم منتف فالقتل منتف، وإنما قلنا:

الصفحة 188