كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

حجة من أجاز قوله صلّى الله عليه وسلّم لابن مسعود ولم يجد معه إلا نبيذا: «ثمرة طيبة وماء طهور» (١) فسماه ماء؛ ولأنه لا بد في النبيذ من أجزاء مائية؛ فوجده لم يعدم جميع أفراد الماء فيلزمه استعمال تلك الأجزاء واستعمالها مفردة لا يمكن لاستهلاكها/ [١٣٤/ل] فيوصل إليه باستعمال الجميع-أعني الماء-وما استهلك فيه، وصار ذلك من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
والجواب: أن الحديث قد ضعف، والأجزاء المائية في النبيذ خرجت عن اسم الماء وطبيعته؛ فلا يتناولها العموم، فلا يجب استعمالها.
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦] اختلف في من هاهنا هل هي للتبعيض أو لابتداء الغاية؟ فعلى الأول يشترط فيما يتيمم به أن يكون له غبار يعلق بمحل التيمم؛ تحقيقا لمعنى الباء في التبعيض، وهو مذهب الشافعي وأحمد (٢)، وعلى الثاني: لا يشترط ذلك؛ لأن الواجب ابتداء المسح من الصعيد، وهو حاصل بدون الغبار حتى لو ضرب بيده على حجر صلد ونحوه مما لا غبار فيه جاز، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة (٣).
ثم ألزم الشافعية الاكتفاء بمسح بعض الوجه في التيمم من قوله-عز وجل-:
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [المائدة: ٦] كما جاز الاكتفاء بمسح بعض الرأس من {وَاِمْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ} [المائدة: ٦] وإلا فسووا بينهما في التعميم، أو أفرقوا بين الموضعين مع اتحاد الصيغة، ووجود الباء المبعضة فيهما لكنهم فرقوا بأن المسح في الرأس أصل فعمل فيه مقتضى الباء التبعيض بخلاف المسح في/ [٦٤ أ/م] الوجه فإنه ينزل عما يجب استيعابه به وهو الغسل فألحق بأصله.

الصفحة 209