كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

واعلم أن هذه الآية من عمد الشيعة، / [١٤٤/ل] وعند التحقيق واعتبار ما سبقها ولحقها لا حجة لهم فيها بوجه، والذي قرروه منها ضرب من الشبهة وإنما مقصودها التعلق بولاية الله ورسوله والمؤمنين والإعراض عن ولاية اليهود والنصارى والمشركين وأخصر ما يرد به على الشيعة أن هذه الآية أعم من دعواكم، والعام لا دلالة له على الخاص بنفي ولا إثبات؛ لأنها دلالة لازم على ملزوم وهي عقيم.

{وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ} (٥٦) [المائدة:
٥٦] عام مطرد، لكن غلبتهم تارة في الدنيا بالظهور، وتارة بالنصرة يوم النشور.
{إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ} (٥١) [غافر: ٥١] وحينئذ لا يرد سؤال من يقول: قد رأينا كثيرا من أولياء الله-عز وجل- مغلوبين لا غالبين، فليكن هذا العام مخصوصا بهم أو أريد به خصوص الغالبين من أولياء الله-عز وجل-لا يقال هذا لما ذكرنا.

{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ} (٦٠) [المائدة: ٦٠] هذا إشارة إلى من مسخ من بني إسرائيل من أصحاب السبت والمائدة.
والمسخ هو: قلب الحقيقة الصورية لا الهيولانية إلى غيرها، كالإنسان قردا ونحوه.
ومعنى ذلك أن أجناس الأعيان العنصرية ثلاثة: جماد ونبات وحيوان، وهيولي الجميع- أعني مادته-واحدة، وهي الجسم، إذ هو مشترك بين الكل، لكن الجماد بقي على مطلق الجسمية، والنبات اختص عنه بقوة نباتية أفادته صورة النبات والحيوان اختص بالنفس الحيوانية، فأفادته صورة الحيوان، وكذلك الإنسان اختص بالنفس الناطقة، / [٦٨ ب/م].
فالمسخ نقل هذه الصورة بعضها إلى بعض على مثال استحالة العناصر الأربعة بعضها إلى بعض، مع أنها لا تخرج عن دائرة الجوهرية، كذلك صور الأجسام الخاصة ينتقل بعضها إلى بعض مع بقائها في دائرة الجسمية كما مسخ هؤلاء قردة وخنازير، وامرأة لوط مسخت فيما نقل في التوراة ملحا، فانقلبت صورتها الإنسانية إلى الجمادية، ولا يستحضر أحد مسخ نباتا، غير أنه ممكن، واحتج أهل الكيمياء على إمكانها بهذا، إذ ليس فيها إلا نقل صورة معدن إلى معدن، كما ينقل صورة عنصر إلى عنصر، كالماء هواء، والهواء نارا وبالعكس، وكانتقال الإنسان خنزيرا وقردا كذلك تنتقل الصورة النحاسية مثلا أو الفضية

الصفحة 223