كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

حقية التالي؛ فلأن الرؤية قد ثبت أنها من لوازم اللقاء، وقد ثبت الملزوم فوجب ثبوت اللازم بالضرورة.

{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ} (٣٣) [الأنعام: ٣٣] هذا عام معهود أو عام أريد به الخاص، أي: الذي يقولونه من التكذيب والكفر، وإلا فقد كانوا يسلمون عليه ويعظمونه ويقاربونه في أمور كثيرة، ومثل ذلك لا يحزنه.

{وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اِسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ} (٣٥) [الأنعام:
٣٥] يحتج به على القدرية من وجهين، أحدهما: أن المانع لهؤلاء من الهدى مشيئته، ومشيئته واجبة فامتناع هداهم واجب، وهو معنى الجبر.
الثاني: أن جمعهم على الهدى أصلح لهم، وعند الخصم يجب عليه رعاية الأصلح، فما باله لم يفعله.
والخصم يجيب عن الأول بمنع وجوب مشيئته-عز وجل-بل هي عنده حادثة لا في محل، وهو من محالاتهم التي يأباها العقل، وزعم أن معنى الآية، أنه لو شاء لجبرهم على الهدى جبرا وقسرا، لا أن مشيئته مانعة لهم عن الهدى.

{إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (٣٦) [الأنعام: ٣٦] أي وهؤلاء كالموتى لا يسمعون، ينتج أن هؤلاء لا يستجيبون يعني لداعي الهدى والحق، وهذا يشير إلى قوله-عز وجل-: {وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} (٢٣) [الأنفال: ٢٣] أي: هؤلاء لم يسمعهم الله وكل من لم يسمعه الله-عز وجل-لا يستجيبون.
ومعنى كونه لم يسمعهم، أنه لم يخلق فيهم داعيا لقبول الحق، بل خلق فيهم الصوارف عنه فصاروا كالموتى لا يسمعون.

الصفحة 241