كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

{فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} (١٢٥) [الأنعام: ١٢٥] من قواصم الظهر على المعتزلة؛ لأنها دلت على أن المؤثر في الهدى والضلال إرادة الله-عز وجل-وفعله من شرح الصدر/ [١٧٦/ل] وتوسعته أو تضييقه وتحريجه.

{يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ} (١٣٠) [الأنعام: ١٣٠] يحتج بها على أن الجن أرسل فيهم رسل منهم كالإنس، وهي ظاهرة في ذلك، وهي مسألة خلاف.
فالمثبت لذلك احتج بهذا الظاهر، والمانع تأول إضافة الرسل إلى الفريقين، كإضافة اللؤلؤ والمرجان إلى البحرين، في قوله عز وجل: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ} (١٩) [الرحمن:
١٩]، ثم قال: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ} (٢٢) [الرحمن: ٢٢] وإنما هو خارج من أحدها، وهو الملح، وليس هذا بشيء، بل هو خارج منهما بدليل قوله-عز وجل-:
{وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (١٢) [فاطر: ١٢] والحلية هنا هي اللؤلؤ والمرجان هناك، وقد أخبر أنها من كل واحد من البحرين، وإنما اعتمد هذا القائل على قول الحكماء الطبيعيين مثل أرسطاطاليس في كتاب الآثار العلوية، وكتاب الأحجار وغيره، حيث زعموا أن اللؤلؤ والمرجان لا يتكون إلا في البحر المالح، والله-عز وجل-[أخبر منهم] بمخلوقاته، وعجائب مصنوعاته: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (١٤) [الملك: ١٤] غير أن نبينا صلّى الله عليه وسلّم أرسل إلى الجن والإنس؛ لأنهم قصدوه وسمعوا/ [٨٣ أ/م] منه القرآن، وأخذوا عنه الشرائع، ولو كان هناك نبي منهم؛ لامتنع في العادة أن يتركوه، ويقصدوا غير جنسهم، وإذا ثبت أن الجن أرسل إليهم رسل منهم، ثبت أنهم مكلفون مخاطبون كالإنس، وفي كون كفارهم مخاطبين بفروع الدين ما في كفار الإنس من الخلاف، وهذه مسألة

الصفحة 264