كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

لَغافِلِينَ (١٥٦) / [٨٤ أ/م]) [الأنعام: ١٥٦] هذا خطاب للعرب، ومعناه أنزلنا عليكم القرآن لئلا تقولوا ما جاءنا من كتاب نتبعه، وإنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، وهم اليهود والنصارى، ونحن غير عارفين بما عندهم، وهذا من باب تقرير الحجة عليهم نحو: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً} (١٦٥) [النساء: ١٦٥]، وفيه أن المجوس لم يأتهم كتاب لأنه- عز وجل-أخبر أن العرب لو احتجوا بأن الكتاب لم ينزل إلا على اليهود والنصارى لكانوا صادقين، وحجتهم قائمة وعذرهم واضح، وبالجملة فهذا تقرير من الله-عز وجل-لهم على/ [١٧٩/ل] حصر الكتاب في الطائفتين، على تقدير أنهم يحصرونه فيهما، والله-عز وجل-لا يقر إلا على حق، وهذه مسألة خلاف هل كان للمجوس كتاب ورفع، أو لم يكن لهم كتاب أصلا؟ وهو ظاهر هذه الآية؟ أما المجوس فزعموا أن نبيهم زرادشت جاءهم بكتاب فيه تفصيل ما كان وما يكون، وأنه جلد اثنتي عشرة ألف جلدة على ما حكاه ابن أبي الإصبغ في تاريخ الأطباء، والظاهر أن هذا اختلاق منهم أو عليهم، إذ مثل هذا لا يكتم، فلو كان حقا لتواتر، والمشهور أن زرادشت [هذا] ليس بمحترم حرمة النبيين ولا الصديقين، ولا الشهداء ولا الصالحين، ولا له في أحكام الرقيق نصيب، ولا هو من المختلف في نبوتهم، بل مقطوع بعدم نبوته، وهو من طبقة ماني ومزدك لا شيء في سبه ولعنه.
وظاهر كلام القاضي عياض في آخر كتاب «الشفا» أن من سبه عذر وعوقب، وجعله في ذلك كالخضر ونحوه، وأظنه-والله عز وجل أعلم-وهما منه فإن لم يكن وهما فهو نقل غريب جدا فتأمله.

الصفحة 268