كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

والأرض مخترعهما بعد عدمهما، وذلك ينافي قدمهما والخلاف معهم مبني على أصلين:
أحدهما: أن الصانع عندهم فاعل بالطبع والإيجاب فلا يتأخر عنه معلوله كالنار لا يتأخر عنها الإحراق، والشمس لا يتأخر عنها الإشراق وإضاءة العالم، وعندنا: هو فاعل بالقدرة والاختيار فيفعل ما شاء متى شاء.
الأصل الثاني: أن القديم عندنا يمتنع استناده وافتقاره إلى المؤثر، وعندهم لا يمتنع ذلك إلا في القديم لذاته لا في القديم لغيره كالعالم.
المسألة الثانية: {وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (١١٧) [البقرة: ١١٧] احتج به من قال بخلق القرآن المسموع وقدمه.
أما الأول: فتقريره أن «كن» مركب من حرفين سابق ومسبوق، وكل ما تضمن سابقا ومسبوقا فهو حادث، وإذا ثبت حدوث «كن» أو النون منها ثبت حدوث باقي عبارات القرآن لاستواء الجميع.
وأما الثاني: فتقريره أن العالم مخلوق ب‍ «كن» فلو كانت «كن» مخلوقة لزم الدور إن خلقت بالعالم، أو التسلسل إن خلقت بغيره وهما محالان، فوجب أنها غير مخلوقة، ثم باقي العبارات مثلها لاستوائهما.

{الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} (١٢١) [البقرة: ١٢١] عام مطرد.

{* وَإِذِ اِبْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ} (١٢٤) [البقرة: ١٢٤] يحتج به من لا يرى إمامة الفاسق، لأن الإمامة عهد الله، وعهد الله-عز وجل-لا يناله فاسق، فالإمامة لا ينالها في الحكم فاسق، فإن نالها فاسق فإنما نالها بالحكم القدري لا بالإذن الحكمي، وهذا هو الذي حمل جماعة من خيار السلف على الخروج/ [٣٧/ل] على أئمة عصرهم لاعتقادهم فسقهم، فخرج الحسين وابن الزبير والشعبي وجماعة من نظرائه كسعيد بن جبير متأولين هذه الآية.

الصفحة 68