كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

{إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} (١٤٣) [البقرة: ١٤٣] يحتج بها على الإجماع حجة، وتقرير الحجة منها أن الله-عز وجل-وصفهم بكونهم وسطا أي عدولا خيارا، والعدول الخيار لا يقولون إلا حقا، ولا يجمعون إلا على حق، ولا حجة في ذلك؛ لأن العدل قصاراه أنه لا يتعمد الكذب أما كونه لا يخطئ فلا، وإنما ذلك شأن المعصوم، وإنما يصح الاستدلال بهذه الطريقة أن لو قال: «وكذلك جعلناكم أمة معصومين».
{وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ} [البقرة: ١٤٣] يستدل بها على تعليل أحكام الله-عز وجل-؛ لأنه أخبر أنه إنما حول القبلة لعلة أن يعلم المتبع من المنقلب، وفي هذا بحث يأتي في موضع آخر، إن شاء الله عز وجل.
{وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ} [البقرة: ١٤٣] أي: صلاتكم، سماها إيمانا بلسان الشرع، ويستدل به من أثبت الحقائق الشرعية، ومعنى ذلك أن الشرع هل وضع لنفسه أسماء هي في مدلولاتها حقائق بوضعه الأول أم لا، بل أخذ الحقائق اللغوية، فضم إليها شروطا شرعية، وذلك كالصلاة والزكاة والصيام والحج هل هي حقائق في الشرع بوضعه أو متلقاة من اللغة على ما هي فيها مزيد عليها أمور شرعية كالأفعال الخاصة في الصلاة والإمساك الخاص في الصيام.
منهم من قال بالأول؛ لأنه-عز وجل-سمى الصلاة إيمانا، وهو في اللغة التصديق، وذلك وضع شرعي، ولأن الشرع جهة مستقلة فلا بد له من حقائق يفهم بها عنه كاللغة.
ومنهم من قال بالثاني؛ لأن هذه الألفاظ في القرآن وهو عربي إنما خاطبنا بلغة العرب، فوجب القول بأنها مبقاة على وضعها لغة وإنما زيد عليها أمور شريعة لحق الشرع، ولأن القول بذلك أسهل من القول بوضع مستأنف.
وأما تسمية الصلاة إيمانا فلاشتمالها/ [٣٨/ل] أو دلالتها عليه، وهذه من مسائل أصول الفقه.

{قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ} (١٤٤) [البقرة: ١٤٤] يحتج بها من يرى أن الله-عز وجل-في جهة السماء من وجهين:

الصفحة 70