كتاب الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية

الثالثة: الفلك التي تجري في البحر وهي المراكب والسفن، وهي إبل البحر كما أن الإبل سفن البر.
الرابعة: المطر النازل من السماء لإحياء الأرض كيف ينزل عليها وهي قفر موحشة فإذا هي عن قرب تهتز خضرا أنيسة.
الخامسة: [الدواب المبثوثة] في الأرض على اختلاف أجناسها وأنواعها وأصنافها وأشخاصها.
السادسة: تصريف الرياح وهو نقلها في الجهات من الجنوب إلى الشمال ومن الصبا إلى الدبور، وعكس ذلك لتطييب ما بين السماء والأرض ولولاها لأنتن وأوبأ، ولتسيير الفلك في البحر، ولولاها لظلت رواكد عن ظهره؛ ولتحصيل الروح للحيوان، ودفع الوخم عنه، وغير ذلك من فوائدها.
السابعة: السحاب المسخر بين السماء والأرض تحمله الرياح إلى البلاد ليمطر فيها.
فمن نظر في هذه الآيات الظاهرة والقدرة الباهرة علم قطعا أن لها صانعا قديما بما مر من دليل الدور والتسلسل، وهو أن هذه الآيات موجودة حسا، فإما أنها أوجدت نفسها وهو محال، أو أوجدها غيرها، وهو إما حادث؛ فيلزم الدور أو التسلسل، أو قديم وهو المطلوب، ثم إذا ثبت أن لها صانعا قديما ثبت أنه واحد بما سيتأتى في سورة «الفرقان» والأنبياء والمؤمنون وغيرها، إن شاء الله عز وجل.
فإن قيل: الدعوى وقعت خاصة بإثبات إله واحد، والاستدلال إنما وقع عاما على وجود الصانع فقط، فهلا طابق بينهما بأن جعل الدعوى عامة كالاستدلال، أو الاستدلال خاصا كالدعوى.
فالجواب: أن العرب كانوا على قسمين؛ معطلة ينكرون الصانع، / [٤٠/ل] ومثبتة للصانع؛ لكنهم يشركون به. وهذه الآية وردت جوابا للمعطلة بإثبات الصانع، واستطرد فيها ذكر الوحدانية ردا على المشركين بمجرد الدعوى، وأخر الاستدلال عليهم إلى موضع آخر؛ لأنهم لم يسألوا هاهنا شيئا، بخلاف المعطلة فإنهم سألوا: من إلهنا؟ ومن صانع العالم؟ فقال: إلهكم إله واحد، واستدلوا عليه بهذه الآيات المذكورة تعلموا وجوده.
وفي قوله-عز وجل-: {لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} إشارة إلى مشروعية النظر العقلي، وأنه طريق/ [٢٢ أ/م] إلى العلم، وإلى أن العقل آلة شريفة لشرف ما يتوصل بها إليه، وإلى شرف علم الأصول والنظر فيها بصحيح المعقول؛ لأنه-عز وجل-إنما نبه على

الصفحة 73